هذا مع أنها تسبح بحمده، وتخشع له، وتتشقق وتهبط من خشيته، وهي التي خافت من ربها وفاطرها وخالقها على شدتها وعظم خلقها من الأمانة التي عرضها عليها وأشفقت من حملها.
هذا وإنها لتعلم أن لها موعدًا ويومًا تنسف فيه نسفًا وتصير كالعهن من هوله وعظمه، فهي مشفقة من هول ذلك الموعد منتظرة له، وكانت أم الدرداء رضي الله عنها إذا سافرت فصعدت على جبل تقول لمن معها: أسمعت الجبال ما وعدها ربها؟ فيقال: ما أسمعها؟ فتقول:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا}(١)[طه: ١٠٥- ١٠٧] .
فهذا حال الجبال وهي الحجارة الصلبة، وهذه رقتها وخشيتها وتدكدكها من جلال ربها وعظمته، وقد أخبر عنها فاطرها وبارئها أنه لو أنزل عليها كلامه لخشعت وتصدعت من خشية الله.
فيا عجبًا من مضغة لحم أقسى من هذه الجبال تسمع آيات الله تتلى عليها ويذكر الرب تعالى فلا تلين ولا تخشع ولا تنيب، فليس بمستنكر على الله - عز وجل - ولا يخالف حكمته أن يخلق لها نارًا تذيبها إذا لم تلن بكلامه وذكره وزواجره ومواعظه، فمن لم يلن الله في هذه الدار قلبه ولم ينب إليه ولم يذبه بحبه والبكاء من خشيته فليتمتع قليلاً فإن أمامه الملين الأعظم، وسيرد إلى عالم الغيب والشهادة فيرى ويعلم. إن أحسن.
(١) مفتاح دار السعادة ص (١٩٩، ٢١٧، ٢٢١، ٢٢٠، ٢١٩، ٢١٨) التبيان ص (١٨٣، ١٨٤، ١٦) فتاوى ج (١٨) ص (٢١٤، ٢١٥) ج (٥/٥٤٣، ٥٤٤، ٥٦٤) .