(٢) فأذا تأمل البصير القمر -مثلاً- وافتقاره إلى محل يقوم به، وسيره دائمًا لا يفتر، مسير، مسخر، مدبر، وهبوطه تارة، وارتفاعه تارة، وأفوله تارة، وظهوره تارة، وذاهب نوره شيئًا فشيئًا، ثم عوده إليه كذلك، وسلب ضوئه جملة واحدة حتى يعود قطعة مظلمة بالكسوف- علم قطعًا أنه خلق مربوب- مسخر تحت أمر خالق قاهر مسخر له كما يشاء، وعلم أن الرب سبحانه لم يخلق هذا باطلاً، وأن هذه الحركة فيه لا بد أن تنتهي على ضده، وأن هذا السلطان لا بد أن ينتهي إلى العزل، وسيجمع بينهما جامع المتفرقات بعد أن لم يكونا مجتمعين؛ ويذهب بهما حيث شاء، ويري المشركين من عبدتهما حال آلهتهم التي عبدوها من دونه، كما يري عباد الكواكب انتثارها، وعباد السماء انفاطارها، وعباد الشمس تكويرها، وعباد الأصنام إهانتها وإلقاءها في النار أحقر شيء وأذله وأصغره، كما أرى عباد العجل في الدنيا حاله ومبارد عباده تسحقه وتمحقه، والريح تمزقه وتذروه وتنسقه في اليم، وكما أرى عباد الأصنام في الدنيا صورها مكسرة مخردلة ملقاة بالأمكنة القذرة، ومعاول الموحدين قد هشمت فيها تلك الوجوه، وكسرت تلك الرءوس، وقطعت تلك الأيدي والأرجل التي كانت لا يوصل إليها بغير التقبيل والاستلام. وهذه سنة الله التي لا تتبدل وعادته التي لا تتحول أنه يرى عابده حال معبوده في الدنيا والآخرة، ويريه تبريه منه ومعاداته أحوج ما يكون إليه. ولو شاء تعالى لأبقى القمر على حالة واحدة لا يتغير، وجعل التغيير في الشمس، ولو شاء لغيرهما جميعًا، ولو شاء لأبقاهما على حالة واحدة، ولكن يري عباده آياته في أنواع تصاريفها ليدلهم على أنه الذي لا إله إلا هو الملك الحق المبين والفعال لما يريد. قلت: ومما قرأت في كتب ابن تيمية- رحمه الله- وأظنه نقض تأسيس الجهمية قوله: ثلاثة أشياء لا نظير لها في المخلوقات: الروح، والشمس، والقمر. يعني فيعتبر بها، ولله المثل الأعلى.