فيه مخالف خشي على نفسه من مضرتهم، وعلى تقدير إمكان معرفة ما عند كل واحد من أهل بلد وإجماعهم على أمر، فيمكن أن يرجعوا عنه أو يرجع بعضهم قبل أن يجمع أهل بلد آخر. بل لو فرضنا حتماً إجماع العالم بأسره في موضع واحد، ورفعوا أصواتهم دفعة واحدة قائلين: قد اتفقنا على الحكم الفلاني فإن هذا – مع امتناعه – لا يفيد العلم بالإجماع، لاحتمال أن يكون بعضهم مخالفاً فيه، وسكت تقية وخوفاً على نفسه. وأما ما قيل: من أنا نعلم بالضرورة اتفاق المسلمين على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإن أراد: الاتفاق باطناً وظاهراًن فذلك مما لا سبيل إليه البتة، والعلم بامتناعه ضروري، وإن أراد ظاهراً فقط استناداً إلى الشهرة والاستفاضة. فليس هذا هو المعتبر في الإجماع، بل المعتبر فيه: العلم بما يعتقده كل واحد من المجتهدين في تلك المسألة، بعد معرفة أن لا حامل له على الموافقة، وأنه يدين لله بذلك ظاهراً وباطناً، ولا يمكنه معرفة ذلك منه إلا بعد معرفته بعينه. ومن ادعى أنه يتمكن الناقل للإجماع من معرفة كل من يعتبر فيه من علماء الدنيا، فقد أسرف في الدعوى، وجازف في القول لما قدمنا من تعذر ذلك تعذراً ظاهراً واضحاً ورحم الله الإمام أحمد بن حنبل فإنه قال: من ادعى وجود الإجماع فهو كاذب. والعجب من اشتداد نكير القاضي أبي بكر على من أنكر تصور وقوع الإجماع عادة، فإن إنكاره على المنكر هو المنكر، وفصل الجويني بين كليات الدين. فلا يمتنع الإجماع عليها، وبين المسائل المظنونة، فلا يتصور الإجماع عليها عادة. ولا وجه لهذا التفصيل. فإن النزاع إنما هو في المسائل التي دليلها الإجماع وكليات الدين معلومة بالأدلة القطعية من الكتاب والسنة. جعل الأصفهاني الخلاف في غير إجماع الصحابة رضي الله عنهم وقال: الحق تعذر الاطلاع على الإجماع، لا إجماع الصحابة حيث كان المجمعون – وهم العلماء منهم – في قلة. وأما الآن وبعد انتشار الإسلام وكثرة العلماء: فلا مطمع للعلم به. قال وهو اختيار الإمام أحمد مع قرب عهده من الصحابة وقوة حفظه وشدة اطلاعه على الأمور النقلية. قال: والمصنف يعلم أن لا خبرة له من الإجماع إلا ما يجده مكتوباً في الكتب. ومن البين: أنه لا يحصل