ما صدر منه عالماً به فاستحق دخول النار عليه وإما لكونه نشأ في مكان قريب من أهل الدين والإيمان فلم يعلم ما أوجب الله على خلقه من تفاصيل الدين والإيمان والإسلام وأركانه، بل جهل ذلك ولم يسأل أهل الذكر عنه، فإن الله أوجب على خلقه المكلفين التفقه في الدين وان لم يحصل إلا بقطع مسافة كثيرة غير معذور بهذا الجهل إذ مثله لا يجهل ذلك لقربه من المسلمين فيعاقبه الله على ترك تعلم ما أوجب الله عليه، ولهذا لا يخلد في النار إن لم يوجد منه مناف للإسلام من إنكار أمر علم من الدين ضرورة ولم يمتنع من إجابة إمام المسلمين إذا دعاه لتقويم أركان الدين بل هو مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر لا ينكر منه شيئاً وبأركان الإسلام كلها، لكنه جهل تفاصيل ذلك وأحكامه وما يجب عليه منه، والإيمان يتفاوت ويختلف بحسب أحوال الخلق فمنهم من إيمانه كالجبال الراسيات بحيث لا يزحزحه مزحزح فيزيد إلى ما لا نهاية له، ومنهم من ينقص إيمانه حتى ينتهي إلى مثقال الذرة. فالأول سببه الطاعة والعلم والتفكر في مصنوعات الله، والثاني سببه المعاصي والجهل والغفلة والنسيان. وهذا السبب الثاني لا يوجب الخلود في النار حيث وجد الإيمان وما استطاع عليه من أركان الإسلام لكن لجهله أو غفلته أو نسيانه أو معاصيه وهن إيمانه، ولا يلزم من وهنه عدم فعل الصلاة وسائر أركان الإسلام مما يقدر عليه، بل قد يفعلها وإيمانه ضعيف حتى ينتهي إلى مثقال الذرة واطلاق عدم العمل عليه لكونه عمل جاهل، ولذلك أكثر العلماء منهم الإمام مالك يقول بعدم صحة عبادة الجاهل بتفاصيل أعمال الصلاة فلا يميز بين أركانها وواجباتها وسننها وكذا غير الصلاة فكأنه في هذه الحالة لم يعمل وإخراجه من النار ودخول الجنة سببه الإيمان الذي صدر منه لا مجرد فعل الصلاة من غير إيمان، ولذلك لم يقبل الله صلاة المنافق ولا سائر عمله بل جعله الله في الدرك الأسفل من النار مخلداً مع أنه يفعل الصلاة وسائر الطاعات حتى الجهاد في وقت النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، لكن لما كان صلاته وعمله من غير إيمان بطل من أصله ولا يخرج بعمله ذلك عن الكفر إلا أنه ظاهراً يعصم ماله ودمه فأما مجرد الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر وسائر ما كلف الله به العبيد مع العمل فهو الكلي والصلاة قوام الدين وعماد اليقين فمن تركها فقد أضاعه.