السنة والجماعة أنهم لا يسلبون اسم الإيمان على الإطلاق ولا يثبتونه على الإطلاق، بل يقولون هو مؤمن ناقص الإيمان، أو هو مؤمن عاص، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، ويقال ليس بمؤمن حقاً، أو ليس بصادق الإيمان، وكل كلام أطلق في الكتاب والسنة فلا بد أن يدين المراد منه، والأحكام منها ما يترتب على أصله وفرعه كاستحقاق الحمد والثواب وغفران السيئات ونحو ذلك. إذا علمت هذه القاعدة فالذي في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا تنتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه أبصارهم فيها وهو حين ينتهبها مؤمن" والزيادة التي رواها أبو داود والترمذي صحيحة وهي مفسرة للرواية المشهورة، وفي قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي وأبو داود:"إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان فوق رأسه كالظلة فإذا خرج من ذلك العمل عاد إليه الإيمان" دليل على أن الإيمان لا يفارقه بالكلية، فإن الظلة تظلل صاحبها وهي متعلقة ومرتبطة به نوع ارتباط، وأحسن ما قيل في معنى هذا الحديث أن نفس التصديق الفارق بينه وبين الكافر لم يعدمه لكن هذا التصديق لو بقي على حاله لكان صاحبه مصدقاً بأن الله حرم هذه الكبيرة وأنه تعالى توعد عليها بالعقوبة العظيمة، وأنه تعالى يرى الفاعل ويشاهده، وهو تعالى مع عظمته وجلاله وكبريائه يمقت هذا الفاعل فلو تصور هذا التصور لامتنع صدور الفعل منه متى فعل هذه الخطيئة فلا بد من أحد ثلاثة أمور:
وإما اضطراب العقيدة بأن يعتقدان ان الوعيد ظاهره ليس كباطنه، وإنما المقصود منه الزجر كما قالته المرجئة أونما يحرم هذا على العامة دون الخاصة كما قالته الإباحية وغير ذلك من العقائد المكفرة التي تخرج عن الملة.
وإما الغفلة والذهول عن التحريم وعظمة الرب تعالى وتقدس وشدة بأسه فيغتر بسعة رحمته وغفرانه ويقتحم هذا الذنب الكبير ولا يبالي.
وإما فرط الشهوة بحيث تقهر مقتضى الإيمان وتمنع موجبه فيصير الاعتقاد مغموراً مقهوراً كالعقل في النائم والسكران وكالروح في النائم ومعلوم أن الإيمان الذي يسمى إيماناً ليس باقياً كما كان إذ ليس مستقراً في القلب ظاهراً، واسم الإيمان عند الإطلاق إنما ينصرف إلى من يكون إيمانه باقياً على حاله عاملاً عمله وهو يشبه من بعض الوجوه روح النائم فان الله سبحانه يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها