للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يخلص في معاملته وعبوديته بل يعمل لحظ نفسه تارة، ولطلب الدنيا تارة، ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة، فلله من عمله وسعيه نصيب ولنفسه وحظه وهواه نصيب وللشيطان نصيب، وهذا حال أكثر الناس زيادة عن الأول وهو الشرك الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن حبان في صحيحه: "الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل قال أبو بكر رضي الله عنه كيف يا رسول الله ننجوا منه قال قل اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم" فالرياء كله شرك قال تعالى آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} أي كما أنه إله واحد لا إله سواه، كذلك ينبغي أن تكون العبادة كلها له وحده فكما تفرد بالألوهية يجب أن ينفرد بالعبودية، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" وفيه أيضاً عن أبي سعيد مرفوعاً: " ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال قالوا بلى يا رسول الله قال الشرك الخفي يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل إليه" فالعمل الصالح هو الخالي من الرياء المقيد بالسنة وكان من دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه اللهم اجعل عملي كله لك صالحاً واجعله لوجهك خالصاً ولا تجعل لأحد فيه شيئاً.

وهذا الشرك يبطل الثواب من أصله أو العمل أيضاً لما تقدم، فمن أراد بعمله غير وجه الله أو نوى شيئاً غير التقرب إليه وطلب الجزاء منه فقد أشرك في نيته وإرادته، والإخلاص هو أن يخلص لله في أقواله وأفعاله وإرادته ونيته، فهذه هي حقيقة ملة إبراهيم التي أمر الله بالقيام بها عباده كلهم ولا يقبل من أحد غيرها وهي حقيقة الإسلام {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وهي ملة إبراهيم التي من رغب عنها فهو من أسفه السفهاء لأنه قد هان عليه أمر خالقه فعصاه، ونهيه فارتكبه، وحقه فضيعه، وذكره فأهمله وغفل قلبه عنه، فكان هواه آثر عنده من رضاه وطاعة المخلوق أهم عنده من طاعة مولاه فيجعل لله الفضلة من قلبه وقوله وعمله، وسواه المقدم في ذلك لأنها المهم عنده يستخف بنظر الله إليه وإطلاعه عليه، وهو في قبضته وناصيته في يده، ويعظم نظر المخلوق إليه وإطلاعه عليه بكل قلبه وجوارحه يستحي من الناس، ولا يستحي من الله، ويخشى الناس ولا يخشى الله، ويعامل

<<  <   >  >>