الخلق بأفضل ما يقدر عليه، وان عامل الله عامله بأهون ما عنده وأحقره، وان قام في خدمة إلهه من البشر قام بالجد والاجتهاد وبذل النصيحة وقد فرغ له قلبه وجوارحه وقدمه على كثير من مصالحه، حتى إذا قام في حق ربه ان ساعده القدر قام قياماً لا يرضى مثله مخلوق وبذل من ماله ما يستحي ان يواجه به مخلوق لمثله وإذا هو أجهل الجاهلين وأمقت الممقوتين وأظلم الظالمين وأهلك الهالكين ممن عصى ربه من العاصين.
(ومنه الحلف) بغير الله رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من حلف بغير الله فقد كفر وأشرك" رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن، قال وفسر أهل العلم هذا الحديث أن قوله كفر وأشرك على التغليظ فيكون الشرك الأصغر. قال ابن مسعود وغيره لأن أحلف بالله كاذباً أحب إليّ من أن أحلف بغيره صادقاً. وإنما قال ذلك لأن حسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق، وسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك.
(ومنه) قول القائل للمخلوق ما شاء الله وشئت كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال له رجل: ما شاء الله وشئت فقال صلى الله عليه وسلم: "أجعلتني لله نداً قل ما شاء الله وحده" هذا مع أن الله قد أثبت للعبد مشيئة قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} فكيف بمن يقول أنا متوكل على الله وعليك، وأنا في حسب الله وحسبك، ومالي إلا الله وأنت، وهذا من الله ومنك، أو من بركات الله وبركاتك، والله ولي في السماء وأنت ولي في الأرض، أو يقول والله وجاه فلان، أو أنا تائب إلى الله وإلى فلان، وأرجو الله وفلاناً، وفي ذلك. فوازن بين هذه الألفاظ وبين قول ذلك القائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت ثم انظر أيهما أفحش يتبين لك أن قائلها أولى بجوابه صلى الله عليه وسلم لقائل تلك الكلمة وأنه إذا كان قد جعله لله نداً بها فقد جعل من لا يداني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من تلك الأشياء بل لعله أن يكون من أعدائه نداً لرب العالمين، وفي مسند الإمام أحمد "أن رجلاً أتى به قد أذنب ذنباً وهو أسير فلما وقف بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم أني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد فقال النبي صلى الله عليه وسلم عرف الحق لأهله".
ونحن لم نكفر الناس ونجاهدهم بهذا القسم الثاني بل بالأول، وعليه فانه أمر مجمع عليه مع أنهم هم الذين بدؤنا بالجهاد ليرجعونا عما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الدين القويم الذي هو المراد إلي ما كنا عليه أولاً من أنواع الباطل والفساد