للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لخصمائه من المشركين أئفكاً آلهة دون الله تريدون فما ظنكم برب لعالمين. وان كان المعنى ما ظنكم به أن يعاملكم ويجازيكم به وقد عبدتم معه غيره وجعلتم له نداً فأنت تجد تحت هذا التهديد ما ظنكم بربكم من السوء حتى عبدتم معه غيره. فان المشرك إما أن يظن الله سبحانه وتعالى يحتاج إلى من يدبر أمر العالم معه من وزير أو ظهير أو عوين، وهذا أعظم النقص لمن هو غني عن كل ما سواه بذاته وكل ما سواه فقير إليه بذاته. وأما أن يظن أنه سبحانه إنما تتم قدرته بقدرة الشريك. وأما أن يظن بأنه لا يعلم حتى يعلمه الواسطة، أو لا يرحم عبيده حتى يجعله الواسطة يرحمهم، أولاً يكفي وحده أن يفعل ما يريد العبد حتى يشفع عنده الواسطة، كما يشفع المخلوق عند المخلوق، فيحتاج أن يقبل شفاعته لحاجته إلى الشافع وانتفاعه به وتكثيره به من القلة وتعزيزه به من الذلة، أو لا يجيب دعاء عباده حتى يسألوا الواسطة أن يرفع تلك الحاجة إليه، كما هو حال ملوك الدنيا. وهذا أصل شرك الخلق أو يظن أنه لا يسمع دعاءهم لبعده عنهم، حتى يرفع الوسائط إليه ذلك، أو يظن أن للمخلوق عليه حقاً، فهو يقسم عليه بحق ذلك المخلوق عليه، ويتوسل إليه بذلك المخلوق، كما يتوسل الناس إلى الأكابر والملوك بمن يعز عليهم، ولا تمكنهم مخالفته. وكل هذا نقص للربوبية، وهضم في الألوهية، ولو لم يكن فيه إلا نقص محبة الله وخوفه، ورجائه والتوكل عليه، والإنابة إليه من قلب المشرك، بسبب قسمة ذلك بينه سبحانه وبين من أشرك به، فينقص أو يضعف أو يضمحل ذلك التعظيم والمحبة والخوف والرجاء بسبب صرف أكثره أو بعضه إلى من عبده من دونه، فالشرك ملزوم لنقص الرب سبحانه، والتنقيص لازم له ضرورة شاء المشرك أم أبى. ولهذا اقتضى حمده تعالى وربوبيته أن لا يغفره وأن يخلد صاحبه في العذاب الأليم، ويجعله أشقى البرية، فلا تجد مشركاً قط إلا وهو متنقص لله سبحانه، وان زعم أنه يعظمه بذلك كما أنك لا تجد مبتدعاً إلا وهو متنقص للرسول، وان زعم أنه معظم له بتلك البدعة فانه يزعم أنها خير من السنة وأولى بالصواب، ويزعم أنها هي السنة ان كان جاهلاً مقلداً وان كان مستبصراً في بدعته فهو مشاق لله ورسوله، فالمنتقصون هم المنقصون عند الله ورسوله. وأولياؤهم أهل الشرك والبدعة ولاسيما من بنى دينه على أن كلام الله ورسوله دلالة لفظية لا تفيد اليقين ولا تغني من العلم واليقين شيئاً، فيالله العجب أي شيء أسعد هذا من إيجاده التنقيص، فأهل الشرك والبدعة من أعظم الناس تنقيصاً ونقصاً لبس عليهم إبليس حتى ظنوا أن تنقصهم هو عين الكمال، وان لم يلاحظوه، ولهذا

<<  <   >  >>