للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانت البدعة قرينة الشرك في كتاب الله سبحانه، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} فالإثم والبغي قرينان، والشرك والبدعة قرينان، وان افترقا في المعنى والحكم، فليس الموحد إلا من شاهد المخلوقات بأمرها قائمة بأمر الله مدبرة بأمره، وشهد كثرتها بوحدانية الله سبحانه وتعالى وأنه رب المصنوعات، وإلهها، وما لكها، ومدبرها مع اجتماع قلبه على الله إخلاصاً له سبحانه وتعالى في معنى ألوهيته من محبته وخوفه، ورجائه والاستعانة به والتوكل عليه وحصر الدعاء بالذي لا يقدر على وجوده أو دفعه إلا الله عليه وحده، والموالاة والمعاداة فيه، وأمثال هذا ناظر إلى الفرق بين حق الخالق والمخلوق. وذلك واجب في علم القلب، وشهادته، وذكره، ومعرفته، وفي حال القلب وعبادته وقصده وإرادته ومحبته وموالاته وطاعته، فهذا هو تحقيق شهادته لا اله إلا الله، فان قائل هذه الشهادة ينفي عن قلبه ألوهية كل ما سوى الله كل ما سوى ألوهيته بحق، وثبت ألوهية الله الملك المعبود بالحق، فيكون نافياً لألوهية جميع المخلوقات، مثبتاً لألوهية رب الأرض والسموات، وذلك بتضمن اجتماع القلب على الله، ومفارقته ما سواه، فيكون مفرقاً في علمه وقصده لله شهادته وإرادته في معرفته ومحبته بين الخالق والمخلوق، بحيث يكون عالماً بالله ذاكراً له، عارفاً به وهو مع ذلك عالم بمباينته لخلقه، وانفراده عنهم وحده بعبادته وأفعاله، وصفاته عنهم فيكون محباً له لا معه، معظماً له لا معه، عابداً له لا معه، راجياً له لا معه، خائفاً منه لا معه، محباً فيه، موالياً فيه، معادياً فيه، مستعيناً به لا بغيره، متوكلاً عليه لا على غيره، ممتنعاً عن عبادة غيره، فلا يجعل حقه تعالى لغيره. وهذا المقام هو المعنى في إياك نعبد وإياك نستعين، وهو من خصائص الألوهية المشهود بها، كما أن رحمته تعالى لعبيده وهدايتهم من خصائص الربوبية وشهادته بهذه الألوهية مع العمل بها يضمن الشهادة بالربوبية، وهو أنه تعالى رب كل شيء ومليكه وخالقه ومدبره، فحينئذ يكون موحداً داعياً الله وحده بما لا يقدر عليه إلا هو عابده به متأله فيه فلا يدعو غيره بما لا يقدر عليه إلا الله، لأنه عبادته مختص بجلاله. قال سبحانه وتعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} فسماه عبادة وأضافها إلى نفسه. وروى النعمان بن بشير قال قال رسول

<<  <   >  >>