للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم في قوله: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ ... الآية} وقد رد الصديق الأكبر رضي الله عنه فهم من قال في معنى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} انه لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر وهذا من المتشابه يرجع فيه إلى محكمه وهو قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} ويكون معنى لا يضركم من ضل إذا اهتديتم أمرتم ونهيتم فلم يسمع لأن من الاهتداء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإذا أدى الذي عليه فلا ضرر عليه من ضلال من لا يأتمر أو ينتهي، وكذا قوله: {لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} يفهم منه أنه تعالى يزيغ القلب بلا سبب فيفسر بمحكمه وهو قوله: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} وبقوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} وقوله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} فقيد المحكم الذي هو أم الكتاب قيد للمطلق وهو واسع النطاق من تأمل وحقق تحقق، ومن زاغ قلبه بعدم القبول أمحق واسحق، والله قد اتبع قوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} وبقوله: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} وفيه نوع من الاشتباه يرجع فيه إلى قوله {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} وإذا وقف العبد إنتبه عن إتباع ما فيه نوع تشابه كما في هذه الآية وفتح له باب في الفصل والوصل نفعه خصوصاً في الجمل المعترضة. وحاصله كل ما في الكتاب من آية يستشكلها العقل لاحتمالها معنيين فصاعداً أو بعض تلك المعاني المفهومة بها أو فيها أو عنها فاقض لآيات من الكتاب أو آيات فتلك من المتشابهات تفسرها الآيات المحكمات لأن القرآن كله لا يتناقض بل هو نور وحجج واضحات. قال ابن كيسان المحكمات حججها واضحة ودلائلها لائحة لا حاجة لمن سمعها إلى طلب معانيها، والمتشابه هو الذي يدرك علمه بالنظر ولا يعرف العوام تفصيل الحق فيه من الباطل انتهى، ومنه قوله سبحانه: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} فان من في قلبه زيغ يتبع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة على قصده الفاسد وميل هواه الذي له قائد ويزعم أنه مهتد فيضل بهذا والله يقول: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ... } الآية وقوله: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} وقوله: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً} فمن زاغ قلبه جعل الأمر آنفاً ونفى تقدم علم الله بما هو

<<  <   >  >>