محكم، وقد أتبعه بقوله لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم، فالقرآن مصون عن النسخ جملة والتبديل محفوظ عما وقع في التوراة والإنجيل لقوله:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} والآيات في المعنى كثيرة جداً ومن قرع باب التحصيل وفق للحصول والمحصول، فالقرآن العزيز كله محكم باعتبار تفسير ما تشابه منه مما ذكر بالمحكم، وعن رسخ ولم يزغ قلبه قال رب زدني علماً كما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب زيادة العلم، وكما أن القرآن كله محكم بأخبار من أنزل كذلك كله متشابه يشبه بعضه بعضاً قال تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ} وهذه الآية الشريفة عرفت الناظر المراد بالمتشابه فيها بقوله مثاني تكرار الآيات والقصص والحسن والوقع في عدة مواضع فيشبه بعضه بعضاً في قصصه ومعانيه وألفاظه ومبانيه وحسنه ووقعه والصدق، بعضه يصدق بعضاً وهذا بحر زاخر ليس له ساحل وان تخيل من تخيل انه بلغ ما يروم فخياله باطل قاصر وما أوتيتم من العلم إلا قليلا فالقرآن تبيان كل شيء منزل بتوحيد الله، وإفراده سبحانه بعبادته ومعاملته لا شريك له، هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعرف الخلق به لا يخفى عليه شاذة ولا فاذة مما أشكل على الأمة ونشأ عنه الخلاف بينهم من اشتراك الألفاظ والمعاني، فانه نشأ عن الاشتراك مما يعرفه أرباب الإدراك، وكذا الحقيقة والمجاز فانه نشأ عنهما في فنون شتى ما يحتاج أقله إلى أطناب ولا يجدي فيه إلا الايجاز، ولا يختلف عليه صلى الله عليه وسلم ما يختلف على الراسخين في العلم من الفرد والتركيب التي يعرف فيها المخطىء من المصيب، ولا يعزب عنه معرفة العموم والخصوص، إذ هو السند المنصوص ولا يختلج عليه الرواية والنقل، فلا ينطق عن الهوى ولا بما يحسنه العقل ولا يتوقف فكره في الاجتهاد فيما لا نص فيه كما يقع لكل تحرير فيما يظهره ويخفيه ولا يقر على الخطأ مجتهداً فيما قاله بفيه، وهو صلى الله عليه وسلم أعرف الخلق بالناسخ والمنسوخ على الإطلاق، وعنه عرفت الإباحة والتوسيع في كل الآفاق، وهذه الثمانية الأمور المذكورة نشأ عنها الخلاف والاختلاف بين الرفاق إلا في العبادة بأنواعها فإنها لله وحده لا شريك له لم يجز فيها اختلاف بين المسلمين إنما جعلها لغيره من خلقه غيرهم من المشركين، والله تعالى يقول:{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} فكلام الله سبحانه لا يناقض بعضه بعضاً لا محكمه ولا متشابهه، وكذلك كلام الني صلى الله عليه وسلم وأحاديثه لا تخالف فيها ولا تناقض، ولا يخالف كلام الله ولا يناقضه بل يحمل مطلقه على مقيده ومتشابهه على محكمه، وكما أن في القرآن آيات متشابهات استأثر