للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البسطامي رضي الله عنه: لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى تربع في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود، وقال أيضاً من ترك قراءة القرآن ولزوم الجماعة وحضور الجنائز وعيادة المرضى وادعى بهذا الشأن فهو مبتدع، وقال السري السقطي من ادعى باطن علم ينقضه ظاهر حكم فهو غالط، وقال الجنيد مذهبنا مقيد بالأصول، الكتاب والسنة فمن لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ويتفقه ويعمل لا يقتدي به، وقال أبو بكر الدقاق من ضيع حدود الله في الأمر والنهي حرم مشاهد القلب في الباطن، وقال أبو الحسن من رأيته يدعي مع الله حالاً يخرجه عن حد العلم الشرعي فلا تقر به فإنما هو شيطان ضال ومن رأيته يدعي حالاً يشهد حفظ ظاهر فاتهمه على دينه، وقال جرير أمرنا هذا كله مجموع على فصل واحد إن لم يلزم قلبك المراقبة ويكون العلم على ظاهرك قائماً، وقال عبد القادر الجيلي رحم الله روحه ونور ضريحه جميع الأولياء لا يستمدون إلا من كلام الله ورسوله ولا يأخذون ويعملون إلا بظاهرهما، وقال أبو حفص من لم نزن أفعاله وأحواله وأقواله بالكتاب والسنة ولم يهم خواطره فلا تعدوه. وهؤلاء الكذابون على الله المدعون يتهدهدون ويتهزهزون بالرقص حول الطار والمزمار عند سماعه والبكاء والنحيب ويومؤن بأذنابمم ورؤوسهم شوقاً لذلك من الوجدان والهلعات زاعمين أنه ذكر لله، وأنه من الدين المقرب عنده والمحبوب إليه، وهو والله من الجور والبهتان والطغيان، لا من السنة ولا من القرآن، ولا فعله أولياء الرحمن، بل نهوا عنه، وإنما هو من فعل أولياء الشطان وعباد إبليس والجان، فإنهم إذا سمعوا القرآن أعرضوا عن سماعه، وعن العمل به، ولم يأخذهم ما أخذهم عند سماع ذلك المنكر، بل تشاغلوا عنه بالضحك واللعب وشرب الدخان، فهم أقبح حالاً من الذين قال الله فيهم: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} فهم مع ادعائهم علم الباطن شبيهون بالذين عبدوا العجل في غيبة موسى فلما رجع علهم صياحاً وأصواتاً وإذا هم يرقصون حوله، ومجرد الرقص بلا ادعاء أنه من الدين لا يوجب الكفر الحقيقي، بل الفسق فقط، ما لم ينازعوا الله في ألوهيته لعموم ما تقدم، ومتى ظهرت المنازعة ووجد الادعاء فيما قدمناه فأين الاحتمال المؤدي إلى وجود الإيمان مع وجود نقيض الكلمة الطيبة فيه ومنازعته معناها المختص بجلال الله وعظمته ومعاملته بادعائه وتعظيمه، فأصل الدين وقوامه إنما هو إخلاص العبادة والدين بأنواعه لله سبحانه

<<  <   >  >>