المغفرة للمشركين أو ما فيه معصية لله كإعانته على الكفر والفسوق والعصيان، فالشفيع الذي أذن الله له في الشفاعة شفاعته من الدعاء الذي ليس فيه عدوان، وهو لا يكون إلاَّ للموحدين لا للمشركين الذين حرم الله عليهم الجنة ومأواهم النار، وإن لم نقطع لمعين بجنة ولا نار إلاَّ لمن نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم، لأنا مأمورون ان نعامل بالظاهر والأمور مرجعها إليه سبحانه وتعالى، ولو سأل واحد من الأنبياء عليهم السلام فدعا دعاء لا يصلح له لم يقر عليه فإنهم معصومون ان يقروا على ذنب لو صدر منهم جهلاً بحكمه أولاً، ولهذا قال نوح عليه السلام:{رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} قال الله: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وأما استغفار إبراهيم لوالديه في قوله ربنا اغفر لي ولوالدي، فللوعد الذي وعد به أباه، وعده أن يستغفر له إن آمن، وهو قوله سأستغفر لك ربي فاستغفر له لمكان الوعد راجياً أن يسلم، فلما تبين له أنه عدو لله لموته على الكفر تبرأ منه، وفي البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول له إبراهيم ألم أقل لك لا تعصني فيقول له أبوه اليوم لا أعصيك فيقول إبراهيم يا رب إنك وعدتني انك لا تخزني يوم القيامة يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد، فيقول الله تبارك وتعالى إني حرمت الجنة على الكافرين، ثم يقال لإبراهيم انظر ما تحت رجليك فينظر فإذا هو بضبع ملطخ بالدم فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار فيتبرأ منه يومئذ" فقد بين الله عذر خليله عليه الإسلام في استغفاره لأبيه، وأما أمه فقد أسلمت، وقيل المراد بالوالدين في قوله لوالدي آدم وحوى عليهما السلام، والأول عليه الأكثر.
وأما قوله:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ..} الآية فالذرة هي النملة الصغيرة وعمم فيهما مع أن حسنات الكافر محبطة بالكفر، وسيئات المؤمن الصغائر مغفورة باجتناب الكبائر، لأن معنى فمن يعمل مثقال ذرة من فريق السعداء خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة من فريق الأشقياء شراً يره، وقد ذكر الله سبحانه ذلك بعد قوله:{يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً} يعني يرجع الناس عن موقف الحساب بعد