الثاني: الإحسان إلى الميت وأن لا يطول عهده به قبره ويتناساه كما إذا ترك زيارة الحي مدة طويلة تناساه فإذا زار الحي فرح بزيارته وسر بذلك فالميت أولى لأنه قد صار في دار قد هجر أهلها إخوانهم وأهلوهم ومعارفهم فإذا زاروهم وأهدوا إليهم هدية من دعاء أو صدقة أو إهداء قراءة ازدادوا بذلك سروراً وفرحاً، كما يسر الحي بمن يزوره ويهدي له، ولهذا شرع النبي صلى الله عليه وسلم للزائر أن يدعو لأهل القبور بالرحمة والمغفرة وسؤال العافية فقط ولم يشرع أن يدعوهم ولا يدعوا بهم ولا يصلي عند قبورهم.
(الثالث) : إحسان الزائر إلى نفسه بإتباع السنة والوقوف عند ما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم فيحسن إلى نفسه وإلى المزور.
وأما زيارة المشركين فأصلها مأخوذ عن عباد الأصنام قالوا ان الميت المعظم الذي لروحه قرب ومزية عند الله لا يزال تأتيه الألطاف من الله وتفيض على روحه الخيرات فإذا علق الزائر روحه به وأدناها منه فاض من روح المزور على روح الزائر من تلك الألطاف بواسطتها كما ينعكس شعاع المرآة الصافية والماء ونحوهما على الجسم المقابل له قالوا فتمام الزيارة أن يتوجه الزائر بروحه وقلبه إلى الميت ويعكف بهمته عليه، ويوجه قصده كله وإقباله عليه بحيث لا يبقى فيه التفات إلى غيره، كلما كان جمع الهمة والقلب عليه أعظم كان أقرب إلى انتفاعه به وقد ذكر هذه الزيارة على هذا الوجه ابن سينا والفارابي وغيرهما وصرح بها عباد الكواكب في عبادتها بدعائها ورجائها والتبتل إليها وتعظيمها بالتعلق علها قالوا إذا تعلقت النفوس الناطقة بالأرواح العلوية فاض عليها منها النور والإعانة والبهجة والسرور فبهذا السر عبدت الكواكب واتخذت لها الهياكل، وصنفت لها الدعوات، وبها الاستغاثات، وبهذا اتخذت الأصنام المجسدة وهذا بعينه هو الذي أوجب دعاء أصحاب القبور والهتف بذكرهم عند نزول الشدائد والشرور واتخاذها أعياداً وتعليق الستور عليها وإيقاد السرج وبناء المساجد عليها وهذا هو الذي قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إبطاله ومحوه بالكلية وسد الذريعة المفضية إليه فوقف المشركون في طريقه وناقضوه في قصده وتفريقه وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم في شق وهؤلاء في شق.