تعالى:{مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} وقال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} فالشفاعة بإذنه ليست شفاعة من دونه ولا الشافع شفيع من دونه بل شفيع بإذنه، والفرق بين الشفيعين كالفرق بين الشريك والعبد المملوك المأمور، فالشفاعة التي أبطلها شفاعة الشريك، فإنه لا شريك له، والتي أثبتها شفاعة العبد المأمور الذي لا يشفع ولا يتقدم بين يدي مالكه حتى يأذن له ويقول اشفع في فلان ولهذا كان أسعد بشفاعة سيد الشفعاء وأفضلهم يوم القيامة أهل التوحيد الذين جردوا التوحيد وأخلصوه من تعلقات الشرك وشوائبه وهم الذين ارتضى الله سبحانه قال تعالى:{وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} وقال: {يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} ، فأخبر سبحانه أنه لا يحصل يومئذ شفاعة تنفع إلاَّ بعد رضاه قول المشفوع له وإذنه للشافع. فأما الشرك فإنه لا يرضيه ولا يرضاه قولاً، فلا يأذن للشفعاء أن يشفعوا فيه فإنه سبحانه علقها بأمرين:
أحدهما: رضاه عن المشفوع له.
الثاني: إذنه للشافع، فمتى لم يوجد مجموع الأمرين لم توجد الشفاعة، وسر ذلك وقوامه أن الأمر لله وحده فليس لأحد معه من الأمر شيء، وأعلى الخلق وأفضلهم وأكرمهم عنده هم الرسل والملائكة المقربون وهم عبيد محض لا يسبقونه بالقول ولا يتقدمون بين يديه ولا يفعلون شيئاً إلاَّ بعد إذنه لهم وأمره إياهم، ولاسيما يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله، وإذن فهم مملوكون لا يتكلمون إلاَّ من بعد إذنه، أفعالهم مقيدة بأمره فإذا أشرك بهم المشرك فدعاهم ورجاهم وتوكل عليهم واتخذهم له شفعاء من دون الله ظناً منه أنه إذا فعل ذلك واعتقد بهم ما هنالك تقدموا له وشفعوا عند الله، فهو من أجهل الناس بحق الرب سبحانه وتعالى وما يجب له ويمتنع عليه، فإن هذا محال ممتنع تشبيه قياس الرب تبارك وتعالى على الملوك والكبراء حيث يتخذ الرجل من خواصهم أولياء هم من يشفع له عندهم في قضاء الحوائج. وبهذا القياس الفاسد عبدت الأصنام واتحذ المشركون الشفيع والولي من دون الله، والفرق بينهما هو الفرق بين الخالق، والمخلوق، والرب والمربوب، والسيد المالك والعبد المملوك، والغني بالذات الذي لا حاجة به إلى أحد قط والفقير بالذات المحتاج من كل