وجه إلى غيره، فالشفعاء عند المخلوقين هم شركاؤهم، فإن قيام مصالحهم وأعوانهم وأنصارهم الذين قيام أمر الملوك والأكابر بهم ولولاهم سبب، لما انبسطت أيديهم وألسنتهم في الناس فلحاجتهم إليهم احتاجوا إلى قبول شفاعتهم وإن لم يأذنوا فيها، ولم يعرضوا عن الشافع لأنهم يخافون أن يردوا شفاعتهم فتنتقص طاعتهم لهم ويذهبوا إلى غيرهم فلا يجدون بدّاً من قبول شفاعتهم على الكره والرضا، فأما الغني الذي غناه من لوازم ذاته، وكل ما سواه فقير إليه بذاته، وكل من في السموات والأرض عبد مقهور بقهره مصرفون بمشيئته لو أهلكهم جميعاً لم ينقص من عزه وسلطانه وملكه وربوبيته وألوهيته مثقال ذرة ولا أنقص ولا أكثر، قال تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ... الآية} وقال سبحانه في أفضل آية في القرآن: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} فأخبر أن حال ملكه للسموات والأرض يوجب أن تكون الشفاعة كلها له وحده، وان لا أحد يشفع عنده إلاَّ بإذنه، فإنه ليس له شريك بل مملوك محض. قال تعالى:{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} بخلاف شفاعة أهل الدنيا بعضهم عند بعض فإنهم لإخبارهم من أحوال الناس ما لا يعرفه الملوك، والله سبحانه يعلم السر وأخفى، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء يعلم السر وأخفى وهو السميع البصير، يسمع سبحانه ضجيج الأصوات باختلاف اللغات في تفننها وما تنطق به من الكلمات لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يبرمه إلحاح الملحين، بحلاف المخلوقين فإنهم قد لا يريدون نفع الرعية ولا الإحسان إليهم أول وهلة، ويتوقف ذلك على وجود محرك خارجي. فإذا خاطب الملك من ينصحه ويعظه أو من يرجوه ويخافه تحركت إرادة الملك وهمته في قضاء حوائج رعيته، أو ما لما يحصل في قلبه من كلام الناصح الواعظ المشير وأما لما يحصل له من الرغبة والرهبة من كلام المدل عليه، والله تعالى هو رب كل شيء ومليكه، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وكل الأسباب أن تكون بمشيئته تعالى فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو سبحانه الذي أجرى نفع العباد بعضهم على يد بعض فجعل هذا يحسن إلى هذا أو يدعو له أو يشفع فيه، وهو