للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي خلق ذلك كله، وهو الذي خلق في قلب هذا المحسن والداعي والشافع إرادة الإحسان والدعاء والشفاعة، ولا يجوز أن يكون في الوجود من يكرهه على خلاف مراده أو يعلمه ما لم يكن يعلمه، أو من يرجوه الرب أو يخافه. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي ان شئت اللهم ارحمني ان شئت ولكن ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له" بخلاف المخلوق فإنه يقبل شفاعة مملوكه لخوفه أن لا يعطيه أو أن يسعى في ضرره، وكذلك قبل شفاعة ولده وزوجته لذلك فإنه محتاج إلى الزوجة والى الولد حتى لو أعرض عنه ولده أو زوجته أو مملوكه لتضرر بذلك وشفاعة العباد بعضهم لبعض عند بعض كلها من هذا الجنس فلا يقبل أحد شفاعة أحد إلاَّ لرغبة أو رهبة، وقبول الشفاعة من باب النفع للغير، والمخلوق لا ينفع غيرهم إلاَّ لما يحصل له من النفع إما من الله بالثواب، وإما من غيره بالمعاوضة، والله لا يرجو أحداً ولا يخافه ولا يحتاج إلى أحد، بل هو الغني سبحانه فبين سبحانه أن الشفاعة التي نفاها في القرآن هي هذه الشفاعة الشركية التي يعرفها الناس بينهم ويفعلها بعضهم مع بعض، ولهذا يطلق نفيها تارة بناء على أنها هي المعروفة المتعاهدة عند الناس، ويقيدها تارة بأنها لا تنفع إلاَّ بعد إذنه وهذه الشفاعة في الحقيقة هي منه فإنه الذي أذن والذي قبل والذي رضي عن المشفوع فيه، ومتخذ الرب وحده إلهه ومعبوده ومحبوبه ومرجوه ومخوفه ومتوكله ومدعوه الذي يتقرب إليه وحده ويطلب رضاه بإتباع رسله ويتباعد من سخطه هو الذي يأذن الله سبحانه للشفيع أن يشفع فيه قال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ..} إلى قوله {.. قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} فهذا إنكار عليهم وتوبيخ لهم، أي أتخبرونه بأن لكم عنده شفعاء وهو لا يعلمها في السموات ولا في الأرض، ففيه تقريع وتهكم بهم لأن ما لا يعلمه العالم بجميع المعلومات لا يكون له وجود ولا تحقيق وقال تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} فبين سبحانه أن من اتبع من دون الله شركاء بشفاعتهم له عنده من دونه فليس معه إلاَّ ظن وخرص والظن المقرون بالحرص هو ظن باطل غير مطابق للحق، فإن الخرص هنا ضمن معنى الكذب لقوله تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} ومن ظن أن

<<  <   >  >>