إليه لما في الصحيحين وغيرهما من المسانيد والسنن أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يتخذ قبره مسجداً وقال:"اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" بعد قوله: " اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد" فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عن الصلاة عند القبور واتخاذها مساجد استهانة بأهلها بل لما يخاف على القاصدين لها من الفتنة بدعائها أو الدعاء عندها. فإن أصل عبادة الأوثان بذلك سببها انخاذ المساجد على القبور وقصدها لدعائها والدعاء عندها كما تقدم بيان ذلك. فلولا أنه قد يحصل عند القبور ما يخاف به الافتتان لما نهى الناس عن ذلك ولهذا لم يقصد القبر للدعاء عنده أحد من الصحابة مع شدة احتياجهم واضطرارهم بكثير الأمور والنوائب المدلهمة التي قرعتهم ولا أيضاً التابعين، ولا أئمة المسلمين، ولو ذكره أحد من العلماء الصالحين المتقدمين بل كلهم كانوا ينهون عن ذلك، وقد قال الشافعي في الأمم أكره تعظيم قبور المخلوقين خشية الفتنة بها ومراده بتعظيمها الصلاة بحضرتها والدعاء عندها فضلاً عن السجود لها أو دعائها، وما يحكى عنه أنه كان يقصد الدعاء عند قبر أبي حنيفة فهو كذب ظاهر لأن الشافعي لما قدم بغداد لم يكن بها قبر ينتاب للدعاء عنده البتة ولم يكن هذا عل عهده معروفاً، وقد رأى بالحجاز واليمن والشام من قبور الأنبياء والتابعين من كان عنده أفضل من أبي حنيفة فما باله لم يتوخ الدعاء إلاَّ عنده. وقد قال في كتابه ما هو ثابت عنه من كراهة تعظيم قبور المخلوقين خشية الفتنة بها وإنما يضع هذه الحكاية وأمثالها من قل علمه ودينه ممن لا خلاق له.