ذلك فإنه إذا لعن من اتخذها مساجد يعبد الله فيها فيكف بملازمتها والعكوف عندها وعليها وان يعتاد قصدها وإتيانها من بعيد وشد الرحال إليها، بل هذا أولى باللعنة وكيف يسأل ربه أن لا يجعل قبره وثناً يعبد ثم يأمر بشد الرحال إليه وانه للدعاء عنده يقصد كيف يقول اعلم الخلق من الصحابة بذلك ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن خشي أن يتخذ مسجداً، كيف يقول لا تجعلوا قبري عيداً وصلوا علي حيث ما كنتم، وكيف لم يفهم أصحابه وأهل بيته من ذلك ما فهمه هؤلاء المدعون ولم ينقلوا عنه ما نقله هؤلاء المختلقون.
(الرابع) أنه ندب أمراً قد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله من سنته ودينه وأنه يتقرب بفعله، وأصل الضلال في الأرض إنما نشأ من اتخاذ دين لم يشرعه الله أو تحريم ما لم يحرمه الله، ولهذا كان الأصل الذي بنى الإمام أحمد والشافعي وغيرهما من الأئمة عليه مذاهبهم أن أعمال الخلق تنقسم إلى عبادات يتخذونها ديناً ينتفعون بها في الأخرى أو في الدنيا والآخرة، وإلى عبادات ينتفعون بها في معايشهم، فالأصل في العبادات أن لا يشرع منها إلاَّ ما شرعه الله ورسوله وان استحسنه العقل، إذ لا مدخل له في الدين، والأصل في العادات أن لا يحضر منها إلاَّ ما حضره الله ورسوله، فمن ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله ويجعله من سنة رسول الله أو وحيه بقوله أو فعله من غير أن يشرعه الله فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، ومن تبعه في ذلك ففد اتخذه شريكاً لله شرع له من الدين ما لم يأذن به الله، ومن اعتقد أن أكثر هذه العادات المخالفة للسنة مجمع عليها بناء على أن الأمة قد أقرتها ولم تنكرها فهو مخطىء في هذا الاعتقاد، فإنه لم يزل ولا يزال في كل وقت من ينهى عن عامة العادات المحدثة المخالفة للسنة ولا يجوز دعوى إجماع بعمل بلد أو بلاد من بلاد المسلمين فكيف بعمل طوائف، فالعادات لا تصرف الأحاديث الواردة في النهي عن الحضرية فإن غالب العاملين بالعادات البدعية هم الملوك وأشباههم ممن سلفهم واتبعهم ولا حجة في فعلهم.
(الخامس) زعمه أنا نكفر من يزور القبور وهذا منه بهتان علينا، وقول زور، فإنا نقول أصل زيارة القبور مسنونة مندوبة أمر بها الشارع بعد أن نهى عنها