والترغيب في زيارتها لتذكار الآخرة والإحسان إلى الميت بزيارته والدعاء والاستغفار له لكن بلا شد رحل إليه، ونحن إذا نهينا عن شد الرحال كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والأئمة من بعدهم، لا يلزم من نهينا تكفير مرتكب المنهي عنه إذا لم يصدر منه ما يوجب كفره من الشرك الأكبر غير المغفور كدعاء الميت بما لا يقدر عليه إلاَّ الله من سلامة وعافية وتفريج كربة، وكشف شدة وسؤال مغفرة، أو ليكون له واسطة ووسيلة في قضاء حوائجه وليشفع له في ذلك فهو متوكل عليه فيه تقدم بيانه موضحاً، وأما قصد الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره لنفس ذلك الداعي لا له وللميت فهو حرام ولا كفر حيث لم يدع الميت نفسه، وإنما حرم لقصد البقعة للدعاء فنحن نعمل ونأمر بالزيارة التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وعلَّمهم إياها ونجتنب وننهى عن الزيارة التي نهى عنها أمته وأخبر أنها فعل المشركين.
(السادس) ان متأخري الفقهاء القائلين بزيارة القبور من الشافعية وغيرهم حتى ابن حجر الهيثمي صرح في الإمداد الذي شرح به الإرشاد، كلهم قالوا ينوي الزائر مع زيارته التقرب بالسفر إلى مسجده صلى الله عليه وسلم وشد الرحل إليه والصلاة فيه لتكون زيارة القبر تابعة، ويكثر في طريقه من الصلاة والتسليم عليه، ومضمون كلام صاحب المقدمة معاكس لهم لجعله زيارة القبر هي الأصل استحباباً أو قرباً من الواجب رأساً وزيارة المسجد تابعة، وصريح الأحاديث المتقدمة وكلام الأئمة راد عليه في ذلك إذ هم القائلون من اعتقد أن السفر إلى مجرد القبر أفضل من السفر إلى المسجد أو مثله فهو إما جاهل بشريعة الرسول وإما كافر بها، وممن صرح بذلك أيضاً الإمام الشافعي كغيره من السلف الصالح.
(السابع) أنه لم يفرق بين الزيارتين، ولم يميز بين الجنسين، وفي الحضرية والمشروعية، بل هما عنده شيء واحد، ولذلك نسبنا إلى تكفيره فاعل المحظور منهما مع أنا نفصل بين ما فيه مجرد الإثم والحرمة، وبين ما هو نفسه كفر حقيقي لا يحتمل الأول وبين ما هو من الدين قد شرعه رسول رب العالمين والله أعلم.