للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هواه كمثل مسافر في مفازة ومعه دابته وماؤه وزاده فنفد الماء والزاد ثم انقطعت به الدابة وقد بقي من المسافة مدة طويلة وبقي يمشي على رجليه فأصابه الجهد من الظمأ والجوع والتعب وضل الطريق فصار في طريق كثيرة السباع كثيرة اللصوص ويسر الله له من يريد انقاذه ويدله على طريق النجاة فأبى وامتنع إلاَّ الإقامة على طريق الخوف وأبى إلاَّ تلك الحال التي بلغه منها الجهد والتعب فلو سمع به وأمره المجانين لتعجبوا من أمره ولنسبوا الجنون إليه لأن المناسب في حقه الرجوع عن المهالك إلى طريق السلامة والأمن، وشكر الدليل المرشد المنقذ، هذا وهو هلاك الجسد في الموت خاصة فما حال من هلاكه النار، أما الخلود فيها وأما ما هو سبب له بر يدله ينشأ منه شيئاً فشيئاً فهم من أكثر الناس عقداً ونفثاً واعتقاداً وتعلقاً في الخيط وغيره من التمايم ومن أكثر ما يكون النفث في الخيط والعقد فيه إذا صعدوا المنبر لخطبة الجمعة أو غيرها يعقدون وينفثون للتعلق والتعليق من الحمى أو العين ولدفعهما، وقد علم الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم الاستعاذة من شر النفاثات في العقد، وهو وان كان السبب خاصاً في بنات لبيد كن يعقدن في الخيط بشيء يقلنه وينفثن فيه بلا ريق، فهو عام في كل نافث في الخيط ونافثه وعاقد وعاقدة، فإن الآية ظاهرها العموم فيمن نفث في الخيط وعقد فيه والعبرة هنا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ومما يدل عليه وعلى حمل الآية على العموم قوله صلى الله عليه وسلم: "من نفث وعقد فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئاً وكله الله إليه" رواه النسائي من حديث أبي هريرة ومعنى من تعلق شيئاً أي علق على نفسه العوذة والخرزة وأمثالهما ويستوي في ذلك قاصداً السحر أو الشفاء لأن الله إذا حرم أمراً لا يغير حكمه عقيدة الفاعل والمفعول له، وأن تلا الفاعل في نفثه القرآن ثم عقد كمن استعمل آلة لهو في ذكر وقراءة، ونفس الخيط وان كان الأصل فيه جواز الاستعمال فالنفث لما قصد منه والعقد إقامة مقام الآلة بقطع النظر عن اعتقاد النافث والعاقد والمنفوث والمعقود له، ولأن السحر في العادة لا يكون من غير نفث ولا عقد، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" فالنافثون والعاقدون والمعلقون والمتعلقون مشركون ومعطلون لحقيقة التوحيد الواجبة على العبيد، ولا بكلام الله يعملون ولا يبالون به ولا بكلام نبيه يأخذون ولا إليه ينتهون، وهم قد جمعوا بين الإثمين والفتنتين الشرك الاعتقادي وحرمة النفث والعقد مع وزر المنفوث والمعقود له من غير أن ينقص

<<  <   >  >>