للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً * كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} وعدم فهمه شيء عبادة الله ومعاملته وحكم تعطيلها هو الحامل له بأن يحكم على من تبرك بشجرة أو حجر فرجى منها ومن بركتها ما تفرج به عنه الكروب وتقضي الحوائج وتكشف الشدائد، كحكمه فيمن لبس الخلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه، في أن ليس في ذلك إلاَّ مجرد الحرمة فقط.

ومما يدل على ما قلناه دلالة صريحة، اعتقاده وتصريحه في كلامه الذي في قوله مع أنه أي إثم التبرك بالأشجار والأحجار ليس على إطلاقه، إذ بعض الأحجار قد ينفع بإذن الله وقد يكون لبعضها خواص ومنافع خلقها الله فيها كما نشاهد في حجر المغناطيس من جذب الحديد وأمثاله فلا إثم على من دعاه وتبرك به لما فيه من النفع ومن جذب الحديد، وكذا الحجر الأسود لما فيه من نفع الشفاعة في مثل ربيعة ومضر.

ومن له أدنى لب من عقل ومعرفة فيما بعث الله به الرسل وفضلهم وهديهم واقتباس نصيب من نور الله علم يقيناً أن معتقد هذا الاعتقاد وقائل هذا القول والحاكم بهذا الحكم محاد لله ولرسوله، راد على الله ورسوله ناقض لحكم الله ورسوله، وأنه ليس عنده علم ومعرفة في دين الله الذي من يتبع غيره لن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، ولم يفرق بينه وبين الانتفاع والاستمتاع فيما هو مخلوق من الأرض ومعادنها للآدميين، بل عنده من ذلك مجرد الادعاء في القول والكتابة على حكمه في القول، فإن نظره إلى الصنعة في الخلق ولم ينظر إلى الصانع الخالق رب كل شيء وخالقه ومليكه وإلهه، الذي لم يخلق خلقاً إلاَّ لحكمة، وجميع الكائنات شاهد بألوهيته، كما هو دال على ربوبيته، والأرض وما حوته من أنواع المعادن والنبات من حكمة موجودها، وبركة إلهها الموضوعة فيها، إنما وجودها دليل على وحدانية الله وتفرده بالألوهية ليكون الدين كله له، ولينتفع بها وبما فيها سائر الحيوانات التي على ظاهرها وفي باطنها من بني آدم وغيرهم، قال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ثم قال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} فهذا الامتنان من الواحد المنان ناطق بأن الأرض وسائر ما فيها من الأشجار والأحجار لا يعتقد فيها

<<  <   >  >>