الضرر والنفع ولا العطاء والمنع، وإنما ينتفع بها انتفاع استمتاع لا اعتقاد نفع فيه، إذ الأول من معاني الامتنان، والثاني من وظائف الإله الواحد المنان، واعتقاد السببية الجائزة فيه من غير ركون إليه ولا توكل عليه من جملة الاستمتاع به، وقد تقدت الأسباب الجائزة مستوفاة في بحث الشرك، وان الله خالق السبب والمسبب ومن وقع في ظلمات الوهم وأبعد عن نور الفهم لم يميز بين النوعين، ولم يفرق بين الجنسين، ولو كلف الخاطبون أو أذن لهم في الاقتصار في العبادة على المصنوع والصنعة التي هي نتيجة الحكمة فعطلوا معاملة الصانع الحكيم أو التشريك بينهما لعد ذلك نقصاً في جانب الصانع ونفياً لحكمته التي لأجلها خلق الأرضين والسموات وما فيهما وما بينهما من الآيات، ولها أوجد جميع الكائنات، فكيف وقد تعالى وتقدس أن يأمر إلاَّ بعبادته ومعاملته له وحده لا شريك له فيها، ونصب على ذلك دلائل شاهدة بألوهيته وحده، من ذلك الأرض وما أوجد فيها الإله من معادن الأحجار بأنواعها، فإن فيها خواص ومنافع للناس، ونفعه أكثر من حجر المغناطيس كحجر الأثمد واللؤلؤ والجوهر والزبرجد والزرنيخ والشب وغيرهما من أنواع المعادن، كل له خاصية ينتفع بها ليس في الآخر وقلما يوجد حجر فيها إلاَّ ويصلح للانتفاع به دق أو جل كالبناء وغيره وكذا حجر الألماس والنار كل له خاصية ينتفع بها دالة على ألوهية خالقها، واختلاف ألوانها في كل لون يكون فيها أو منها، كما هو مشاهد في المعادن المستخرجة وكل لون ينقسم إلى أنواع وألوان فإن حمرة المرجان محلفة، كما أن حمرة الزبرجد والياقوت وخضرتهما مختلفة، وكاختلاف بقاع الأرض مع تجاورها قال تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} .
وكذلك اختلاف الأجساد من سائر الحيوانات والعقول والادراكات والأشجار وأنواع الثمرات مع اتحاد الأب والأم إن في ذلك لآيات، وهذا سر قوله تعالى:{يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .