بأفضل ولا أكمل ولا أتم عن شهادة الرسل وشفاعتهم، ومع ذلك فلا يعتقد فيهم النفع ولا الضر ولا الإعطاء ولا المنع، إلا أنهم يوم القيامة يشهدون على أممهم وعلى بعضهم بعضاً بالبلاغ والتبليغ كما قال جل ذكره:{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} ويشفعوا في أهل التوحيد بعد إذن الله لهم فيها لمن رضي عنه، وذلك لا يقتضي أنهم يملكون الضر ولا النفع ولا العطاء ولا المنع، فالحجر أولى بعدم الاعتقاد فيه إذ الأمر كله لمالكه وهو الله الذي خلق الرسل وفضلهم على سائر الخلق، وخلق الأرض وما فيها من الآيات الدالة على ألوهيته، وتفرده بملك الضر والنفع والعطاء والمنع.
ولقد قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مخاطباً للكعبة الشريفة شرفها الله ما أطيبك وأطهرك، ولحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك، ومعلوم أنه لا أعظم حرمة في الخلق من الرسل عليهم الصلاة والسلام وهم لم يبعثهم الله عز وجل إلاَّ ليزيلوا هذا الاعتقاد في الأحجار والأشجار من قلوب سائر الخلق الكبار والصغار، ويخلصون لله الواحد القهار، وقد حمى النبي صلى الله عليه وسلم التوحيد أعظم حماية أقل من هذا الاعتقاد وأظهره، وغضب منه حين قال له القائل ما شاء الله وشئت فقال عليه السلام:"أجعلتني لله نداً قل ما شاء الله وحده" فكيف باعتقاد المشركين الأولين أو ما هو أعظم منه، وقد ذكرنا بمناسبة حكمة الله في خلقه وإظهار قدرته في مصنوعاته رشيحة من الاستمتاع بما في المقلة، ولم نتعرض لما في المظلة طلباً للإختصار ومخافة في القصور وذله إذ الأرض بالنسبة إليها كحلقة ملقاة في فلاة وإذا فتح الله فؤاد العبد للفكر في أمه رأى ببصيرة قلبه فنطق لسانه بعجائب المظلة فاستدل بذلك على ألوهية الخالق وتفرده فيما هو منفرد به عن خلقه وعبادته وحده لا شريك له في حقه ومعاملته.
والعبد من تراب إذا تكلم بالدليل على ألوهية خالقه فهو في محله، إنما الرزية كل الرزية الإعراض عن الآيات والتغافل عن المشاهدات والمبصرات والمسموعات والمحسوسات:{وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} ومن كان فكره في كل واد يهيم فهو من الأفكار الباطلة والاعتقادات الفاسدة في ليل بهيم، ولهذا قال الإله:{تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} .