(أحدهما) نذر فعل معصية كشرب خمر، وقتل معصوم، وصوم يوم عيد، أو حيض أو أيام التشريق فيحرم الوفاء به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"من نذر أن يعصي الله فلا يعصه" ولأن معصية الله تبارك وتعالى لا تباح في حال من الأحوال، وهل ينعقد أم لا، جمهور العلماء على أنه لا ينعقد لأن في قوله فلا يعصه دليلاً على عدم انعقاده ولقوله صلى الله عليه وسلم:"لا وفاء لنذر بمعصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم" رواه أبو داود. وأصله في الصحيحين. وقال بعضهم وهو الإمام أحمد في الرواية المشهورة عنه ينعقد لأن وجود النذر كوجود اليمين، وعدم جواز الوفاء به لا يمنع انعقاده، ويكفر كفارة يمين. وهذا مروي عن عبد الله بن مسعود وابن عباس وعمران بن حصين وسمرة بن جندب رضي الله عنهم، وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه رحمهم الله تعالى إلاَّ أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال فيمن نذر ذبح آدمي معصوم يلزمه ذبح كبش ويطعمه للمساكين، وهذا القول أحد الروايتين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
(الثاني) النذر لغير الله ولأجله عقدت الترجمة، كالنذر لإبراهيم الخليل، أو محمد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، أو ابن عباس رضي الله عنهما، أو الشيخ عبد القادر، أو الحضر، أو لملك من الملائكة أو جني أو شجرة فلا خلاف بين من يعتد به من علماء المسلمين أنه من الشرك الاعتقادي، لأن الناذر لم ينذر هذا النذر الذي لغير الله إلاَّ لاعتقاده في المنذور له أنه يضر وينفع، ويعطي ويمنع، إما بطبعه، وإما بقوة السببية فيه، ويجلب الخير والبركة ويدفع الشر والعسرة، والدليل على اعتقاد هؤلاء الناذرين وشركهم حكيهم وقولهم أنهم قد وقعوا في شدائد عظيمة فنذروا نذراً لفلان وفلان أصحاب القبور من الأنبياء والمشايخ وللغار الفلاني والشجرة الفلانية فانكشفت شدائدهم واستراحت خواطرهم، ويقول أحدهم مرضت فنذرت للشيخ فلان فشفافي وعافاني، ويقول الآخر خرج علي المحاربون واشتد علي الأمر فنذرت لشيخي ووسيلتي ومعتقدي الولي الفلاني، وانتدبته فأجابني كشف شدتي وفرج كربتي، ويقول الآخر ركبت البحر فحصل الطهف وكثرة الأمواج والريح فنذرنا أصحاب السفينة، ودعونا الولي الفلاني، ومعتقدنا الذي في جزيرة أو محل كذا ونذرنا له كذا وكذا فأسكن الريح