ومن لاذ واستجار واعتصم بغير الله فقد خاب وخسر وأشرك لله قوله واعتقاده، قال سبحانه تعالى:{أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} وقال تعالى: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وقال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وقال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} فبين سبحانه وتعالى في هذه الآيات بل بالقرآن كله أن ليس دونه لخلقه ولي ولا نصير، وان لا أحد يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً فلا يوجدان إلاَّ بتقديره ومشيئته، وأنه الخالق للسبب والمسبب، وأن النزغ من الشيطان والاستعاذة منه لا تكون إلاَّ بالله السميع العليم، وان ليس للعين سلطان قهر وغلبة واستيلاء على عباد الله المنقادين لأمره المؤمنين به وبرسله وما أرسلوا به المفوضين أمورهم إلى خالقهم وإلههم فلا يتمكن من قلوبهم فيصدهم عن ذكره وتوحيده فيقعوا لي ذنب لا تجامعه المغفرة، بل إنما يكون ذلك على أوليائه المنقادين لأمره الذين يتولونه والذين هم به مشركون، لإعراضهم عن توحيد خالقهم، والاستعاذة بغير الله إعراض عن توحيده ونفي لتفرده تعالى بملك الضر والنفع والعطاء والمنع والاستغاثة والقرب، وتعطيل لمعاملته وافضاله مزيده، والمستعيذ بغيره متخذ ولياً ونصيراً من دونه لقوله تعالى:{فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.. إلى قوله ... إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} فمن استعاذ بغير الله على هذا الوجه فهو بمن استعاذ به مشرك في قوله وعقيدته إذ تعلق قلبه في المستعاذ به من المخلوقين برجائه والملاذة به، والالتجاء إليه، والتوكل عليه، هو الحامل والمقتضي له على الاستعاذة به، وذلك هو الشرك الاعتقادي، ولهذا كان الرجل من العرب في الجاهلية إذا سافر فأمسى في أرض قفرة أي خالية قال أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه فيبيت في أمن وجوار منهم حتى يصبح فأنزل الله سبحانه وتعالى:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأِنْسِ يَعُوذُونَ} أي يلوذون ويستعيذون {بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} أي فزاد الإنس الجن المستعاذ بهم رهقاً، سفهاً وإثماً وطغياناً بقولهم سدنا الإنس والجن وكذا