ما في صحيح مسلم عن خولة بنت حكيم قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من دخل منزلاً فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك" وفي المسند للإمام أحمد عن أبان بن عثمان عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم لم يضره شيء" قال الخطابي قال العلماء لا يستعاذ بغير الله أو صفاته، إذ كل ما سواه تعالى وصفاته مخلوق، ولذلك وصفت كلماته تعالى بالتمام وهو الكمال، وما من مخلوق إلاَّ وفيه نقص والاستعاذة بالمخلوق شرك مناف لتوحيد الخالق لما فيه من تعطيل معاملته تعالى الواجبة له على عبيده انتهى.
وبهذا احتج السلف كالإمام أحمد وغيره على أن كلام الله غير مخلوق قالوا وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم بكلمات الله التامات فلا يستعاذ بمخلوق، ولما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً " فنهى عن الرقي التي فيها شرك كالتي فيها استعاذة بالمخلوقين الجن أو غيرهم، قال تعالى:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَال ... } الآية ولهذا نهى العلماء عن التعازيم والاقسام التي يستعملها بعض الناس في حق المصروع وغيره التي تتضمن الشرك، بل نهوا عن كل ما لا يعرف معناه، من ذلك كما تقدم خشية أن يكون فيه شرك بخلاف ما كان من الرقى المشروعة فإنه جائز، ومما يؤيد أن الاستعاذة بالمخلوق شرك اعتقادي، جعل المستعيذ نصيباً من ماله مأكولاً كان أو غيره لمن استعاذ به من الجن لائذاً به وعائذاً ليرفع عنه أو غيره ما حل به من المس واللمم أو يدفع ما يحذره من سائر الألم قائلاً أعوذ وألوذ بفلان وفلان ومن ساد من انس وجان من شر كذا وكذا ثم ينحر النحيرة لسكان الأرض من الجيران ليرفعوا عنه أو يدفعوا ما حل به وكان، ويدس ما نحره لهم في التراب ليكون لهم خالصاً وبهم سائغاً، وبعضهم يقول أعوذ بأبي الجان وشهاب الشيطان من العين وما كان من شر كيت وكيت، ونحو هذه الاستعاذات التي هي شرك اعتقادي من هؤلاء المفتونين عبدة الشياطين، ولفظ الاستعاذة بالمخلوق شرك قولي ناشيء عن الاعتقادي، فقول صاحب المقدمة الاستعاذة بغير الله غير مسلم أنه من الإشراك الاعتقادي دال بصريحه على أنه لم يميز اللازم من الملزوم ولم يعرف المقتضي المشؤم وذلك من وجوه.
(أحدها) أنه ما دليله فيه إلاَّ أنه لا يسلم من غير دليل من الكتاب والسنة