للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحده لا شريك له، وفي لفظ خير يتضمن الطلب والناس وإن كانوا يقولون بألسنتهم لا إله إلاَّ الله فقول العبد مخلصاً من قلبه له حقيقة أخرى وبحسب تحقيق التوحيد تكمل طاعة الله، فيتيقن محقق التوحيد العامل بالطاعة أنه لا نفع ولا ضر ولا عطاء ولا منع إلاَّ من الله وحده، فإن سأل مخلوقاً شيئاً يقدر عليه الخلق من أمورهم الجارية بينهم فحصل له ما سأله أو منع منه كان نظره إلى الخالق في أنه سبحانه المعطي لهذا المسؤول ما أسداه وحببه إليه وقواه عليه، أو لم يقدر منه شيئاً بل كره دفعه إليه فمنعه عنه وإن يكن الدفع واجباً فمنعه المسؤول قادراً عليه عوقب شرعاً مع بقائه مكلفاً مختاراً لعموم خطاب الشرع له ومع جواز سؤال الخلق بعضهم بعضاً مما يقدرون عليه من أمورهم الدنيوية فسؤال الله دون خلقه مطلقاً هو المتعين عقلاً وشرعاً وذلك من وجوه متعددة.

(منها) أن السؤال فيه بذل لماء الوجه وذلة للسائل وذلك لا يصلح إلاَّ لله وحده، وهذا هو حقيقة العبادة التي تختص بإله الخلق كلهم، ولهذا كان الإمام أحمد يقول في دعائه: اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصنه عن المسألة لغيرك وفي هذا المعنى يقول بعضهم:

ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله ... بدلاً وان نال الغنى بسؤال

وإذا السؤال مع النوال وزنته ... رجح السؤال وخف كل نوال

فإذا ابتليت ببذل وجهك سائلاً ... فابذله للمتكرم المفضال

ولهذا المعنى كان عقوبة من أكثر المسألة بغير حاجة أن يأتي يوم القيامة وليس على وجهه مزعة لحم كما ثبت ذلك في الصحيحين لأنه أذهب عز وجهه وصيانته وما يأتيه في الدنيا فأذهب الله من وجهه في الآخرة جماله وبهاءه المعنوي فلا يبقى له عند الله وجاهة، وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة أن لا يسألوا الناس شيئاً منهم الصديق وأبو ذر وثوبان فكان أحدهم يسقط سوطه أو خطام ناقته فلا يسأل أحداً أن يناوله رضي الله عنهم.

(ومنها) أن سؤاله الله عبودية عظيمة لأنها إظهار للافتقار إليه واعتراف بقدرته على قضاء الحوائج وفي سؤال المخلوق ظلم لأن المخلوق عاجز عن جلب الخير

<<  <   >  >>