الاعتماد على الله في القول والاعتقاد الشامل جميع الأحوال، ولهذا يذكر الله الأسباب وينهىعن الاعتماد عليها، ويأمر بأن لا يرجى إلاَّ الله وحده، كما قال تعالى لما أنزل الملائكة:{وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} وقال: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} وقد قدمنا أن الدعاء نوعان دعاء عبادة، ودعاء مسئلة، وكلاهما لا يصلح إلاَّ لله. فمن جعل مع الله إلهاً آخر قعد مذموماً مخذولاً، والراجي سائل طالب فلا يصلح أن يرجو إلاَّ الله ولا يسأل غيره، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:"ما أتاك من هذا المال وأنت غير سائل ولا مشرف فخذه ومالا فلا تتبعه نفسك" والمتشرف الذي يستشرف بقلبه، والسائل الذي يسأل بلسانه، وفي الحديث الذي في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال: (أصابتنا فاقة فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسأله فوجدته يخطب الناس وهو يقول: "أيها الناس والله مهما يكن عندنا من خير فلن ندخره عنكم وأنه من يستغن يغنه الله ومن يستعفف يعفه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطى أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر والاستغناء أن لا يرجو بقلبه أحداً فيستشرف إليه" ولهذا كان الغنى غنى القلب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس" ولهذا قيل:
إذا رزقت من الدنيا قناعة ... فأنت ومالكها سواء
والاستعفاف أن لا يسأل بلسانه أحداً، ولهذا لما سئل أحمد بن حنبل عن التوكل فقال قطع الاستشراف إلى الخلق، أن لا يكون في قلبك أن أحداً يأتيك بشيء، فقيل له فما الحجة في ذلك فقال قول الخليل لما قال له جبريل هل لك من حاجة فقال أما إليك فلا، فهذا وما يشبهه مما يبين أن العبد في طلب ما ينفعه ودفع ما يضره لا يوجه قلبه إلاَّ إلى الله ولهذا قال المكروب لا اله إلاَّ أنت، ومثل هذا ما في الصحيحين عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب:"لا إله إلاَّ الله العظيم الحليم، لا إله إلاَّ الله رب العرش العظيم، لا إله إلاَّ الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم " فإن هذه الكلمات فيها تحقيق التوحيد، ومسألة العبد ربه وتعلق رجائه به