للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عندياته وأنه لم يعلم معاني كلام الله وآياته، وسنة الرسول وأصحابه، وما قاله أهل اللغة في معنى الاستغاثة من أنها طلب الغوث من الغير، قال أهل اللغة المستغاث به هو المطلوب منه الغوث، والمستغيث هو الذي يطلب الإغاثة من غيره، وكذلك ما ذكره النحاة كلهم في باب الاستغاثة، وما نقلوه عن العرب من الفرق بين المستغاث به والمستغاث من أجله، كقولهم يالله للمسلمين بفتح لام المستغاث به وخفض لام المتسغاث من أجله، ومنه قول المهاجري يا للمهاجرين وقول الأنصاري يا للأنصار فاستغاث هذا بالمهاجرين وهذا بالأنصار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ " فالمستغاث به عندهم هو الذي يدعى ويسأل ويطلب منه الغوث، والمنادي هو داعي المنادى لكن فرقوا بين دعاء المستغاث به وغيره، كما فرقوا بين دعاء الندبة وغيره، كقوله يا حسرتا على ما فرطت، وقولهم يا أبتاه يا عمران ونحو ذلك مما يلحقون في آخره ألفاً لأجل مد الصوت إذ النادب الحزين يمد صوته وهو يندب ما قد فات فيمد الصوت في آخر دعائه كقوله يا أسداه يا ركناه يا أبتاه حتى قالوا يا أمير المؤمنيناه يا عبد الملكاه إذ نداء الندبة يقوله الإنسان عند حدوث أمر عظيم، ويقوله للتوجب، كقول سارة حين بشرت بإسحق يا ويلتي، بخلاف المستغيث فإنه يدعو المستغاث به كما يدعو غيره فيقول يا لزيد كقوله يا زيد لكن دل بهذه الصيغة أنه يطلب منه الإعانة على ما يهمه من أموره مطلقاً، بخلاف النداء المجرد فإنه لا يدل على ذلك فالمستغيث بالشيء داعيه مع زيادة طلب الإغاثة، ومن المعلوم بالاضطرار من لغة العرب، وهو موجود في جميع الكتب المتداولة التي يذكر فيها مثل هذا في كتب اللغة والنحو والتفسير ودواوين العرب وغير ذلك، أن المستغيث بالشيء هو الذي يطلب منه الغوث، وهم يقولون استغثته واستغثت به، كما يقولون استعنته واستعنت به، ودعوته ودعوت به، وبين المعنيين فرق لطيف، وهو أنهم إذا عدوه بنفسه لاحظوا أنه فاعل الغوث بنفسه، وإذا عدوه بالباء لاحظوا أنه معين على ذلك، فكأنه إذا قال استغثت فلاناً قال طلبت منه أن يغيثني وإذا قال استغثت به تضمن معنى استغثته واستغثت به على أن يغيثني، فالباء فيه متضمنة معنى كتبت بالقلم فالاستغاثة عامة في المعنى الاستغاثة وزيادة، هذا هو معناها في القرآن في قوله تعالى إذ تستغيثون ربكم أي تستجيرون به من عدوكم وتطلبون منه الغوث والنصر عليه وكذلك السنة في قوله صلى الله عليه وسلم:

<<  <   >  >>