للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

" والله لا يأخذ أحدكم شيئاً بغير حقه إلاَّ لقي الله يحمله يوم القيامة فيأتي أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها على رقبته لها يعار فيقول يا محمد فأقول لا أملك لك شيئاً قد بلغت ويأتي ببعير يحمله على رقبته له رغاء فيقول يا محمد فأقول لا أملك لك من الله شيئاً قد بلغت" رواه البخاري فالمستغاث به مسؤول مطلوب. ومن المعلوم ضرورة أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشرع فيه للأمة أن تدعوا أحداً من الأموات لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم لا بلفظ الاستغاثة ولا غيرها ولا بلفظ الاستعاذة ولا غيرها كما أنه لم يشرع لها السجود لغيره تعالى، بل نهى عن ذلك كله وأخبر أنه من الشرك المنافي لما جاء به، لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة جعل ذلك مما لا بأس به، ولهذا عمت دعوة الأموات والاستغاثة بهم عند نزول الكربات يسألونهم ويستجيرون بهم ويتضرعون إليهم، فكان ما يفعلونه بالأموات أعظم من عبادتهم واعتقادهم في رب الأرض والسموات، لأنهم أنما يقصدونهم في ضرورة نزلت بهم فيدعونهم دعاء المضطرين ولقضاء حاجاتهم منهم أو بهم راجين، بخلاف عبادتهم لله ودعائهم إياه، فإنما يفعلونه على وجه العادة، واشتراط صاحب المقدمة اعتقاد قدرة مؤثرة على جلب نفع له أو دفع مضرة عنه، دال على عدم معرفة أقسام الشرك الموجب للكفر الاعتقادي وخلود أهله في النار فإن ذلك المشروط إنما هو شرك الملاحدة القائلين بقدم العالم وأبديته وأنه لم يكن معدوماً أصلاً بل لم يزل ولا يزال والموجد للحوادث أسباب أثرت فيها واقتضت إيجادها هي بنفسها أو شرك القدرية القائلين بأن الحيوان توجد منه قدرة على خلق أفعال نفسه وأنها تحدث بدون مشيئة الله تعالى، أو شرك الجهمية والقرامطة الذين لم يبقوا لله اسماً ولا صفة ولا قدرة تامة، بل جعلوا المخلوق له قدرة مؤثرة وأما تعطيل معاملته تعالى عما أوجب على عبيده والشرك فيها فليس عنده من ذلك تمييز ولا معرفة، والحاجب عن ذلك شهود القيومية التي يشترك فيها وفي معرفتها المؤمن والكافر والبر والفاجر، وأما شهود الألوهية التي دعت إليه الرسل حيث أمروا بعبادة الله وحده وطاعته فإن العبد إذا فتحت عين بصيرته له فرق بينه وبين قسيمه الأول ففعل ما أمر به وترك ما نهى عنه وعلم حكم المأمور به فعلاً وتركاً وكفراً أو معصية، والمنهي عنه كذلك ووالى أولياء الله وعادى أعداءه وصار على ملة إبراهيم ودين محمد صلى الله عليه وسلم، ومن لم يقل بالفرق بين القسمين كان خارجاً عن حقيقة الإيمان كما أنه خارج عن شريعة

<<  <   >  >>