للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإسلام فليس معه حقيقة إيمانية ولا شريعة إسلامية وإنما معه حقيقة خلقية قد أقر بها عباد الأصنام الذين هم مشركون، وذلك أن شهود القيومية بلا جمع بينه وبين شهود الألوهية ممتنع طبعاً وشرعاً إذ لا يغني أحدهما عن الآخر، فمن لم يشهد الفرق الشرعي الإلهي كان مع الفرق الطبيعي النفساني أو فرق شيطاني، ومن لم يعبد الرحمن عبد الشيطان: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ... } إلى قوله {.. فَبِئْسَ الْقَرِينُ} وذكر الرحمن يراد به الذكر الذي أنزله الله، كما قال تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ... } إلى قوله.. {وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} فمن أعرض عن هدى الله الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه فلم يفرق بين ما أمر الله به وما نهى عنه كان معرضاً عن ذكره المنزل فيقيض له شيطاناً يصده عن سبيل الله، فيقول ويعمل بمجرد هواه، ومن أضل من اتبع هواه بغير هدى من الله، ولو كان مثل هذا ذكر الله ولم يشهد إلاَّ القيومية العامة لم يشهد ما جاء به الكتاب المنزل بل يكون من أعظم أتباع الشياطين الخارجين من الدين، كما تخرج الشعرة من العجين، ومع كون العبدله قدرة كسبية لا يخرج من مشيئة رب البرية، فلا يستغاث به فيما لا يقدر عليه إلاَّ الله ولا يستعان به، ولا يتوكل عليه فيه، ولا يطلب من الغائب أو الميت ما يطلب من الحي الحاضر، فليس في المخلوقات شيء ينفع ويضر استقلالاً، إذ ليس فيها ما يستقل بأحداث غيره ونفعه، ولا يفعل شيئاً إلاَّ بإذن الله، كما ليس فيها من يعطي ويمنع بهذا الاعتبار، وكما أن من أسمائه تعالى المعطي المانع الضار النافع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دبر كل صلاة: " اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد" وكان يقول في رقيته: " اذهب الباس رب البأس رب الناس لا شفاء إلاَّ شفاؤك" وفي رواية: "لا شافي إلاَّ أنت شفاء لا يغادر سقماً" وكذلك النفع والضر المعتاد كالصحة والمرض والغنى والفقر والأمن والخوف واليسر والعسر الحقيقيين لا يفعله رسول ولا غيره، وهذا ليس بخفي على عموم المؤمنين فضلاً عن علمائهم، وان وقع في كثير من ذلك ما وقع من العامة ونحوهم ممن ينتسب إلى الزهد والصلاح فهؤلاء وأمثالهم حقهم أن يرجعوا إلى العلم الموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتكون عبادتهم وأعمالهم مقيدة بالشريعة النبوية والعلم الموروث لا بما يخطر لهم من الآراء والأهواء، قال سبحانه وتعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} وفي الصحيحين من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه

<<  <   >  >>