الدنيا فلا يؤمن بالبث والثواب والعقاب، وقال أنس والحسن نزلت في اليهود والنصارى، وقال قتادة من كانت الدنيا همه ونيته وطلبته جازاه الله في الدنيا بحسناته ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يجازى بها، هذا في الكافر، وأما المؤمن فإرادته الآخرة غالبة فيجزى في الدنيا بحسناته ويثاب عليها في الآخرة وذلك قوله نوف إليهم أعمالهم فيها، وفي حديث أنس المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا قبض إلى الآخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيراً" انتهى. فإذا عمل المؤمن عملاً يبتغي به غير الله فإما أن يعمله ملتمساً به منه تعجيل أمر من أمور الدنيا كصحة وعافية وكالذي يعبد الله ليكثر ماله وولده أو يكرمه في الدنيا ويسلمه من آفاتها لا امتثالاً لأمره تعالى وإجلالاً لعظمته، وقياماً بحق عبوديته لأن العمل لذلك من أعلى درجات الإخلاص، وأما أن يعمله ملتمساً به اكتساب محمدة عند الناس أو محبة ومدح منهم، فيظهر في عمله التصنع لهم، فالأول داخل في عموم قول ابن عباس في رواية العوفي عنه أن معنى الآية فيمن عمل صالحاً لا يعمله إلاَّ لالتماس الدنيا يقول الله فيه أوفيه الذي التمسه من الدنيا وأحبط عمله في الآخرة وهو من الخاسرين فلا ثواب له في عمله ذلك.
(فإن قيل) باقي الآية وهو قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} دال بصريحه على أن المقصود منها الكفار المنكرون للبعث وأشباههم، أو اليهود والنصارى، كما هو قول ابن عباس في رواية عطاء ان من كان يريد عاجل الدنيا فلا يؤمن بالبعث والثواب والعقاب، وقول أنس والحسن أنها نزلت في اليهود والنصارى.
(الجواب) أن منكري البعث واليهود والنصارى وسائر أنواع الكفار لا يخرجون عن مضمون معنى الآية وغيرها من سائر القرآن، ان من رغب عن الله وما عنده من الجزاء لأوليائه المؤمنين، وعصى رسله واتبع هواه مريداً للدنيا وزينتها ومؤثرها على إتباع أوامره تعالى واجتناب مناهيه راآي في عمله أو لم يراء أنه ليس له في الآخرة إلاَّ النار