للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحبط ما صنعوا فيها، أي ذهب ما عملوا في الدنيا من حسنة، لأنهم وقت البعثة والجزاء لم يروا لها ثواباً وباطل ما كانوا يعملون، أي ماحق مضمحل، وعبر أولاً بالحبوط باعتبار وقت حصول المأمول، وثانياً بالبطلان، باعتبار وقت العمل، وهي في المؤمن العامل لإرادة الحياة الدنيا وزينتها زجر وتهديد لحبوط ثواب ما عمله وخسرانه في الآخرة واستحقاقه دخول النار بذلك إلاَّ أن يرحمه الله ويغفر له، والإشارة ترجع إليه بهذا المعنى، ولهذا قال ابن عباس في الرواية الأخرى عنه وغيره أن هذه الآية فيمن عمل صالحاً من صلاة وصوم ونحوهما لالتماس شيء من الدنيا، وإلا فقد تواترت الأخبار الصحيحة والنقول الصريحة من كلام الله وسنة رسوله أن المؤمن العاصي لا يخلد في النار، وأكثر الصحابة وأهل العلم من المفسرين وغيرهم على أن هذه الآية نازلة في المرائي بعمله، والثاني أعني من يعمل ملتمساً بعمله اكتساب محمدة عند الناس ونحوها فهو أكبر من الأول، لأن العبادات هنا باطلة من أصلها مع بطلان ثوابها فإن كانت فرضاً لا تصح منه ولا تجزئه مع مقارنة الرياء أول العبادة وفعلها لأجله، وهذا هو الذي ذكره مجاهد وغيره أن الآية نزلت فيه ولما ذكر لمعاوية حديث أبي هريرة حديث الثلاثة الذين أول من تسعر بهم النار وهم الذي تعلم العلم ليقال عالم، وتصدق ليقال جواد، وجاهد ليقال شجاع، وبكى معاوية بكاء شديداً ثم قرأ هذه الآية فالعمل لغير الله شرك سواء كان لإرادة الدنيا هي بنفسها وللسلامة من آفاتها لا لامتثال الأمر والقيام بحق العبودية، أو لالتماس محمدة أو محبة ومدح من أهلها، وقد عقدت الترجمة لذلك مقصوداً بها الشرك الأصغر، وصريح كلام صاحب المقدمة ناف الشرك عن هذا العمل زاعماً أنا نكفر به لأنه كبيرة والخوارج يكفرون بها وقد نسبنا إليهم والى مذهبهم وما هذا الإجراءة وبهتان وقول زور وطغيان. لأنا نقول لاشك أنه شرك أصغر وهو كبيرة لورود الوعيد والعقوبة على فاعله بنص التنزيل والأحاديث الصحيحة المتواترة المشهورة والمصونة عن الأباطيل لكن فاعل الكبائر إذا مات موحداً لا يخلد في النار ولا يكفر صاحبها بمجرد فعلها، قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ولحديث عبادة بن الصامت المتقدم ذكره وحديث أبي ذر وغيره المتفق عليه ولأن الشرك الأصغر دون الأكبر فيدخل تحت المشيئة، والآية واردة في الشرك الأكبر بخصوصه على أن طائفة من العلماء مشوا في الآية على ظاهرها للعموم فقالوا ان

<<  <   >  >>