الشرك الأصغر لا يغفر إلاَّ بالتوبة منه وإلا فلابد من تطهير فاعله في النار ثم يخرج منها كبقية أهل الكبائر، لأن الآية نص في عدم غفران الشك من حيث هو، لكن الأكبر أهله مخلدون بنص الكتاب والسنة، والأصغر أهله مسلمون بنصهما غير محكوم على صاحبه بالكفر، وإطلاق الآية في عدم غفرانه فارق بينه وبين سائر المعاصي التي هي دونه قابلة للغفران، والجواب عن ذلك ما تقدم من أنه داخل في الدون فهو تحت المشيئة ويصدر من خواص الأمة ولا قائل بوجوب العذاب والحكم به عليهم إذ لا يسلم منه غالباً إلاَّ من عصمه الله وهم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولأن الغفران اضمحلال الذنب ومحوه وهو عدم وجوده، وبقاؤه موجب للعذاب ما بقي وذلك مخالف للقاعدة في أن أهل الكبائر لا يخلدون لأن خروجهم منها بعد دخولها بالذنب لأمرين:
(الأول) منهما أن الذنب الذي استحق به دخول النار قابل للمغفرة وان لم يوجد الدخول.
(الثاني) وجود الإيمان الذي ماتوا عليه بخلاف الذنب الذي لا يغفر فإنه يقتضي العذاب الأليم أبداً ولا يضمحل بعذاب مرتكبه لأنه غير قابل للمغفرة قبل العذاب، وكل ما لا يقبل المغفرة قبل العذاب لا يضمحل بوجوده، إلاَّ ترى إلى عذاب الكفار، قال سبحانه:{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا} وليس هنا ذنب غير قابل المغفرة إلاَّ الشرك الأكبر فإنه لا يغفر بل يعذب أهله العذاب الأكبر فتعين أن يكون الشرك الأصغر ذنباً كبيراً كبقية الذنوب التي تقبل الغفران من علام الغيوب، ومن الدليل أيضاً على أن المريد بعمله غير الله يكون مشركاً قوله سبحانه وتعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} ولما في المتفق عليه من حديث جندب بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سمَّع سمَّع الله به ومن راآى راآى الله به" وفي المتفق عليه أيضاً من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" ولمسلم من حديث أبي هريرة في الثلاثة الذين أول من تسعر بهم النار، وله أيضاً من حديثه مرفوعاً قال الله: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك