وإبراهيم وموسى عيسى فيردونها إلى محمد صلى الله عليه وسلم العبد الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال:" فاذهب إلى ربي فإذا رأيته خررت ساجداً فاحمد ربي بمحامد يفتحها علي لا أحسنها الآن فيقول أي محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعط واشفع تشفع فأقول رب أمتي أمتي فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة"، فالشفاعة كلها لله، وهو تعالى غني عن العالمين وهو وحده يدبرهم كلهم فما من شفيع إلاَّ من بعد إذنه، لأنه الذي يأذن للشفيع في الشفاعة، وهو الذي يقبل شفاعته كما يلهم الداعي الدعاء، ثم يجبب دعاءه، فالأمر كله له، وإذا كان العبد يرجو شفعاء من المخلوقين ففد لا يختار ذلك الشفيع أن يشفع له، وإن اختار فقد لا يأذن الله له في الشفاعة ولا يقبل شفاعته فيه، قال تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} قال طائفة من السلف كان قوم يدعون العزير والمسيح والملائكة شفاعتهم، فأنزل الله هذه الآية وأخبر فيها أن هؤلاء المسؤولين يتقربون إلى الله ويبتغون مرضاته ويرجون رحمته ويخافون عذابه وأنهم لا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا فلا يملكون الشفاعة من دونه ولا يشفعون إلاَّ بإذنه لمن رضي عنه، وأفضل الخلق محمد، ثم إبراهيم، صلى الله عليهما وعلى سائر الأنبياء وسلم، وقد منعوا من الاستغفار لمن لم يرض عنه ولا ارتضى عمله، وما ذاك إلاَّ أنه تعلق على غير الله وأعرض بقلبه عنه فلم يخلص قلبه ولسانه له بل إما جدّ واجتهد في دعاء غير الله ورجائه فيما لا يقدر عليه إلاّ َالله، وأما شابه وفرغ قلبه ولسانه فيما هو الموقع في الشرك نفسه مما هو الأصل في علة عبادة الأصنام الذين قال الله عنهم:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} وقال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ ... إلى قوله ... قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وقال تعالى: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ ... } الآية فحسبه سبحانه عن غيره في عدة مواضع من القرآن وعلق على وجود إذنه للشافع ورضاه عن المشفوع له حسماً لمادة الإشراك وقطعاً لما توهم في علته من رجاء الشفاعة والتقريب، فكيف عن المعلول ويعمل فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم