مفرع على قوله وأخذ العلم من غير تسديد معناه أن هذا الرجل لما لم يأخذ العلم عن تسديد اعتاز إلى تمييز الخطأ الذي هو ضد الصواب، عن الصواب الذي هو مطابق للحق، أي اعتاز إلى من يميز له ذلك ويفرق له بينهما ويميز له أيضاً بين ما التبس عليه من القشر الذي هو الظرف الساتر عن اللباب الذي قد ستره القشر فهو مظروف فيه استعار لفظ القشر واللباب للتشبيه والتكنية من عدم تمييز معاني المسائل التي يفصل بعضها عن بعض في اللفظ والمعنى لأخذه العلم من غير تسديد، وإلى من يميز له بيان ما عليه من الفرقة الناجية وهم أهل السنة والجماعة، من ضدهم وهم من ترك السنة وفارق الجماعة. والعلة في اعتيازه التمييز بين هذه الأشياء المذكورة ظهور الحق بلا التباس بضده لقليل البضاعة من المعرفة بمعاني مسائل العلم قبل ظهور الحق له بالتمييز المذكور.
فنقول يكفي في تمييزه ومعرفته وإدراكه في قصده ومرامه ما قد شاع عنه وذاع وتقطعت به الأسماع من أنه يدعو الناس إلى سبيل النجاة والفوز الأبدي وهو الصراط المستقيم الذي أمر الله تعالى عباده أن يسألوه إياه في كل صلاة والدليل على ذلك أنه لا أحد كائناً من كان يفعل خصلة يحبها الله ويكرهها أهل الفساد والعناد إلا ونسب ذلك الفعل والفاعل إليه فقيل له وعنه وهابي أو عارضي أو شرقي، وهذا كقول كفار قريش لمن تبع ما جاء من عند الله أنه صابىء وإن كان ذلك الفاعل في نفس الأمر عدواً ظاهراً وباطناً نسبوه إليه بفعله فلو لم يكن فيه من السمة والعلامة على فضله ومعرفته وتمييزه وهديه إلا ذلك لكفى.
شهد العدو بفضلها ... والفضل ما شهدت به الأعداء
فبذلك يستدل على فضله المستدلون، ويهتدي بما دعا إليه المهتدون، ويرجع إلى إتباع الحق المبعدون، ويكف عن خوضهم في طغيانهم الخائضون، فإن من رزق التوفيق تأمل بعين انصافه ما قاله هذا الرجل ودعا الناس إليه من الإخلاص لملك الناس، فميز بينه وبين ما اعتقده أصحاب العقائد الفاسدة والبضايع من الدين الكاسدة الآمرين بالباطل، والقائمين عليه لم والناهين عن سبيل الحق وما يوصل إليه، وهم المجوزون لمن شاء