للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: ١-٣] .

يقول: إن محمدًا لم يقل هذا القرآن من تلقاء نفسه: فقال: {إِنْ هُوَ} يقول: ما هو، يعني القرآن: {إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} ١ [النجم: ٤] .

فأبطل أن يكون القرآن شيئًا غير الوحي، لقوله: {إِنْ هُوَ} يقول: ما هو {إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} ثم قال: علَّمه. يعني علم محمدًا جبريل، صلى الله عليه وسلم وهو: {شَدِيدُ الْقُوَى، ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} إلى قوله: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} ٢ [النجم: ١٠] .


١ قال ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "التبيان في أقسام القرآن" "ص: ١٥٥":
ثم قال سبحانه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} ينزه نطق رسوله أن يصدر عن هوى، وبهذا الكمال هداه رشده، وقال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} ولم يقل: وما ينطق بالهوى؛ لأن نطقه عن الهوى أبلغ، فإنه يتضمن أن نطقه لا يصدر عن هوى، وإذا لم يصدر عن هوى فكيف ينطق به، فتضمن نفي الأمرين: نفي الهوى عن مصدر النطق ونفيه عن نفسه، فنطقه بالحق، ومصدره الهدى والرشاد لا الغي والضلال.
ثم قال: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} فأعاد الضمير على المصدر المفهوم من الفعل، أي ما نطقه إلا وحي يوحى. وهذا أحسن من قول من جعل الضمير عائدًا إلى القرآن فإنه يعم نطقه بالقرآن والسنة، وأن كليهما وحي يوحى.
٢ قال ابن القيم -رحمه الله- في كتاب "التبيان في أقسام القرآن" "ص: ١٥٧":
ثم أخبر تعالى عن وصف من علمه الوحي والقرآن، مما يعلم أنه مضاد لأوصاف الشيطان معلم الضلال الغواية، قال: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} وهذا نظير قوله: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ} [التكوير: ٢٠] وذكرنا هناك السر في وصفه بالقوة، وقوله: {ذُو مِرَّةٍ} أي: جميل المنظر حسن الصورة ذو جلالة، ليس شيطانًا أقبح خلق الله وأشوههم صورة، بل هو من أجمل الخلق وأقواهم وأعظمهم أمانة، ومكانة عند الله، وهذا تعديل لسند الوحي والنبوة وتزكية له. كما تقدم نظيره في سورة التكوير، فوصفه بالعلم والقوة وجمال المنظر وجلالته. وهذه كانت أوصاف الرسول البشري =

<<  <   >  >>