ثم إن الجهمي ادعى أمرًا آخر، فقال: إن الله -عز وجل- يقول: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} [الدخان: ٣٨] فزعم أن القرآن لا يخلو أن يكون في السموات أو في الأرض أو فيما بينهما. فيقال له: إن الله -عز وجل- يقول: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ} [الحجر: ٨٥] فالحق الذي خلق به السموات والأرض وما بينهما هو قوله وكلامه، لأنه هو الحق وقوله الحق: {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ} [ص: ٨٤] . وقال: {وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ} [الأنعام: ٧٣] فأخبر بأن الخلق كله كان بالحق والحق قوله وكلامه. وقال: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ} [النمل: ٣] وقال: {مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [يونس: ٥] يعني قوله وكلامه، فقوله وكلامه قبل السموات والأرض وما بينهما، فتفهموا -رحمكم الله- ولا يستفزنكم الجهمي الخبيث بتغاليطه وتمويهه وتشكيكه ليزلكم عن دينكم، فإن الجهمي لا يألوا جهدًا في تكفير الناس وتضليلهم. عصمنا الله وإياكم من فتنته برحمته.