للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله١.

ثم إن الجهم ادعى أمرًا آخر، فقال: إن الله يقول: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [السجدة: ٤] .

فزعم أن القرآن لا يخلو أن يكون في السموات أو في الأرض أو فيما بينهما فشبه على الناس ولبّس عليهم.

فقلنا له: أليس إنما وقع الله -جل ثناؤه- والخلق والمخلوق على ما في السموات والأرض وما بينهما فقالوا: نعم.

فقلنا: هل فوق السموات شيء مخلوق؟

قالوا: نعم. فقلنا: فإنه لم يجعل ما فوق السموات مع الأشياء


١ قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "درء تعارض العقل والنقل" "١٠/٤، ١١" بعد أن نقل هذه الشبهة عن الجهمية:
فبَيَّن الإمام أحمد أن الجهمية المعطلة والنصارى الحلولية ضلوا في هذا الموضع، فإن الجهمية النفاة يشبهون الخالق تعالى بالمخلوق في صفات النقص، كما ذكر الله تعالى عن اليهود أنهم وصفوه بالنقائص، وكذلك الجهمية النفاة إذا قالوا: هو في نفسه لا يتكلم ولا يحب ونحو ذلك من نفيهم، والحلولية يشبهون المخلوق بالخالق، فيصفونه بصفات الكمال التي لا تصلح إلا لله، كما فعلت النصارى في المسيح، ومن جمع بين النفي والحلول كحلولية الجهمية ... ثم قال رحمه الله:
وكذلك الكلام يراد به الكلام الذي هو الصفة، كقوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} [الأنعام: ١١٥] وقوله: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} [الفتح: ١٥] ويراد به ما فعل بالكلمة كالمسيح الذي قال له: كن، فكان فخلقه من غير أب على غير الوجه المعتاد المعروف في الآدميين، فصار مخلوقًا بمجرد الكلمة دون جمهور الآدميين، كما خلق آدم وحواء أيضًا على غير الوجه المعتاد، فصار عيسى عليه السلام مخلوقًا بمجرد الكلمة دون سائر الآدميين.

<<  <   >  >>