للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>


= البشر، فكيف من يدعيه في البشر كلهم، وكذلك ما ذكره من أجواف الخنازير والحشوش والأماكن القذرة فإن هذا كما تقدم مما يعلم بالضرورة العقلية الفطرية أنه يجب تنزيه الرب وتقديسه أن يكون فيها أو ملاصقًا لها أو مماسًّا. وتخصيص هذه الأجسام القذرة والأجواف بالذكر فيه اتباع لطريقة القرآن في الأمثال والأقيسة المستعملة في باب صفات الله سبحانه.
فإن الإمام أحمد ونحوه من الأئمة هم في ذلك جارون على المنهج الذي جاء به الكتاب والسنة، وهو المنهج العقلي المستقيم، فيستعملون في هذا الباب قياس الأولى والأحرى والتنبيه في باب النفي والإثبات، فما وجب إثباته للعباد من صفات المدح والحمد والكمال فالرب أولى بذلك، وما وجب تنزيه العباد عنه من النقص والعيب والذم فالرب سبحانه أحق بتنزيهه وتقديسه عن العيوب والنقائص من الخلق، وبهذا جاء القرآن في مثل قوله: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ} وفي مثل قوله: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً} وغير ذلك، فإنه احتج على نفي ما يثبتونه له من الشريك والولد بأنهم ينزهون أنفسهم عن ذلك؛ لأنه نقص وعيب عندهم، فإذا كانوا لا يرضون بهذا الوصف ومثل السوء، فكيف يصفون ربهم به ويجعلون لله مثل السوء، بل: {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} ومما يشبه هذا في حقنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس لنا مثل السوء" ولهذا شبه الله من ذمه بالحمار تارة وبالكلب أخرى.
ثم قال رحمه الله في "٥٣٧/٢":
فسلك الإمام أحمد وغيره مع الاستدلال بالنصوص وبالإجماع مسلك الاستدلال بالفطرة والأقيسة العقلية الصحيحة المتضمنة للأولى، وذلك أن النجاسات مما أمر الشارع باجتنابها والتنزه عنها توعد على ذلك بالعقاب، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "تنزهوا عن البول، فإن عامة عذاب القبر منه" وهذا مما علم بالاضطرار من دين الإسلام، وهي مما فطرت القلوب على كراهتها والنفور عنها واستحسان مجانبتها لكونها خبيثة، فإذا كان العبد المخلوق الموصوف بما شاء الله من النقص والعيب الذي يجب تنزيه الرب عنه، لا يجوز أن يكون حيث تكون النجاسات، ولا أن يباشرها ويلاصقها لغير حاجة، وإذا كان لحاجة يجب تطهيرها، ثم إنه في حال صلاته لربه يجب عليه التطهير فإذا أوجب الرب على عبده في حال مناجاته أن يتطهر له وينزه عن =

<<  <   >  >>