إن هذه الخاتمة كان من حقها أن تكون مقدمة، ولكني آثرت أن تكون كذلك لهدفين:
الأول: كيلا أنفّر القراء الذين يحملون فكرة خاطئة عن الإمام محمد بن عبد الوهاب، من مطالعة هذه الرسالة، فإن أكثر الناس أعداء لما جهلوا.
الثاني: التمهيد لجعل هؤلاء القراء على استعداد لاستقبال آراء العلماء والأدباء الحياديين، دون تأثير خارجي، سواءً كان إيجابياً أو سلبياً.
ولا شك أن المنصفين قد أصيبوا بحيرة بين ما طالعوه في هذه الرسالة، وبين ما كانوا سمعوه من كثير من شيوخ السوء عن هذا الإمام العظيم الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، فحطم الوثنيات وأضاء السبيل للمسلمين لمعرفة التوحيد الصحيح، وأنقذهم من الشرك الذي كان يفتك بعقيدتهم ومن الوثنية التي كانت تختفي وراء شعار الدين، والدين منها براء، وما أرهب ما قاله الدكتور أحمد أمين:
" ... إذاً فما بال العالم الإسلامي اليوم يعدل عن هذا التوحيد المطلق الخالص من كل شائبة إلى أن يشرك مع الله كثيراً من خلقه. فهذه الأولياء يحج إليها وتقدم لها النذور ويعتقد أنها قادرة على النفع والضرّ، وهذه الأضرحة التي لا عداد لها تقام في جميع أقطاره يشد الناس إليها رحالهم ويتمسحون بها ويتذللون لها ويطلبون جلب الخير لهم ودفع الشرّ عنهم. ففي كلّ بلدة ولي أو أولياء. وفي كل بلدة ضريح أو أضرحة تشترك مع الله تعالى في تصريف الأمور، ودفع الأذى وجلب الخير وكأن الله سلطان من سلاطين الدنيا الغاشمين يتقرب إليه بذوي الجاه وأهل الزلفى لديه. ويرجون في إفساد القوانين وإبطال العدل. أليس هذا كما كان يقول مشركو العرب {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} وقولهم {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} بل واأسفاه لم يكتف المسلمون بذلك. بل أشركوا مع الله حتى النبات والجماد فهؤلاء أهل بلدة "منفوحة"