للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من خصائص التربية التكامل والشمول]

خاصية التكامل والشمول خاصية فريدة من خصائص المنهج التربوي الإسلامي، لأنه منهج رباني من عند الله خالق الإنسان الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، إذ من المستحيل -يا أحبابي- أن يصنع الإنسان لنفسه منهجاً متكاملاً شاملاً.

لماذا؟ لأن الإنسان محدود بالزمان وبالمكان، فإن عاش الإنسان المقنن للمنهج الذي يحاربه، أو يحاد منهج الله، إن عاش هذا الإنسان المقنن لهذا المنهج عاماً فلن يعيش في العام القادم، وإن عاش في مكان فهو عاجز عن رؤية بقية الأماكن، وهذا هو قولي: إن الإنسان محدود بالزمان ومحدود بالمكان، ومن ثم إن وضع الإنسان لنفسه منهجاً تربوياً ظناً منه أنه يمتاز بالتكامل والشمول، سيأتي منهجه -حتماً- جزئياً قاصراً قد يصلح لزمان ولا يصلح لآخر، وقد يصلح لمكان ولا يصلح لآخر، وقد يصلح لنوعية من البشر ولا يصلح لنوعية أخرى، إذ من المستحيل أن يضع الإنسان لنفسه منهجاً كاملاً؛ لأنه لا يجوز أن يضع برنامج الرحلة كله إلا من يعلم الطريق بأكمله، ولا يعلم الأمر كله من أوله إلى آخره إلا خالق هذا الإنسان.

وأنا أعجب -أيها الأحبة- إذا تعطلت سيارة لإنسان ما، فإلى أي الأماكن يذهب لإصلاحها، هل يذهب إلى صيدلية، أم يذهب إلى طبيب، أم يذهب إلى بائع فاكهة؟ كلا، ولكنه يذهب إلى متخصص في (الميكانيكا) ليصلح له سيارته؛ لأنه عرف بفطرته وبعقله أن هذه السيارة لا بد لها من مصلح، ومصلحها هو الذي يعرف هذه (الميكنة) فيها، كذلك أنت أيها الإنسان أنت خلق من؟ وصنعة من؟ أنت خلق الله جل وعلا، والله وحده هو الذي يعرف ما يفسدك وما يصلحك، ومن ثم وضع لك المنهج الذي يضمن لك السعادة في الدنيا والآخرة، وحينئذٍ إذا رأى الإنسان في نفسه عطباً، وإذا رأى في طريقه عفناً، وجب عليه أن يبحث عن هذا العطب، وليصحح هذا المسار من منهج الكبير المتعال، الذي قال: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤] .

<<  <  ج: ص:  >  >>