للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وحدة العقيدة]

ثانياً: وحدة العقيدة: وهذا من أعظم الدروس التربوية في قصة يوسف، فما من نبي ولا رسول إلا وقد أرسل بعقيدة واحدة، وكل الأنبياء والمرسلين عقيدتهم واحدة.

والدليل من القصة قوله تعالى: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:٣٩-٤٠] ، فهذه هي عقيدة يوسف، وعقيدة إبراهيم، وعقيدة نوح، وعقيدة موسى، وعقيدة عيسى، وعقيدة يعقوب، وعقيدة سليمان، وعقيدة لوط، وعقيدة محمد، فهي عقيدة واحدة، قال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥] .

أيها الأحباب الكرام! والله إن الله لا يقبل إلا الإسلام، فليس عند الله يهودية، ولا نصرانية، ولا إبراهيمية، ولا موسوية، ولكن الديانة عند الله هي الإسلام، قال جل وعلا: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩] .

فالإسلام دين نوح، قال الله حكاية عن نوح: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:٧٢] .

والإسلام دين إبراهيم، قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:١٢٧-١٢٨] .

والإسلام دين يعقوب، قال تعالى: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة:١٣٣] .

والإسلام دين لوط، ودين يوسف، ودين عيسى، قال تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:٥٢] .

والإسلام دين سليمان، قال تعالى: {اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} [النمل:٢٨] فقالت ملكة سبأ حينما أرادت أن تدخل في دين هذا النبي: {إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل:٤٤] .

والإسلام دين مؤمني الجن، قال تعالى عنهم: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الجن:١٤] .

والإسلام دين سيد النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، فقد خاطبه ربه جل وعلا بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:٣] ، فالإسلام دين الله جل وعلا.

عقيدة التوحيد هي عقيدة كل نبي ورسول بعثه الله جل وعلا لقومه، فما من نبي ولا رسول إلا ودعا قومه أول ما دعاهم إلى التوحيد، وكل الأنبياء دعوا أقوامهم إلى الإيمان بالله وحده، وإلى عبادته وحده لا شريك له.

فعيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام كانت الكلمات الأولى له وهو الصبي الصغير الذي ما زال في لفافته أن قال: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [مريم:٣٠-٣٦] ، فاعبدوه أي: وحدوه كما قال ابن عباس، والعبادة هي الخالصة بكل صورها وأشكالها الظاهرة والباطنة.

فوحدة العقيدة درس عظيم ينبغي أن نقف أمامه طويلاً؛ ويتجلى ذلك في قولة يوسف {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [يوسف:٣٩-٤٠] ، فهذه الآلهة والأرباب والأنداد والطواغيت إنما هي آلهة باطلة مكذوبة مدعاة، والذي يستحق العبادة إنما هو الإله الحق جل جلاله.

<<  <  ج: ص:  >  >>