للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من خصائص منهج الله التربوي التوازن والاعتدال]

كنت قد تحدثت عن خصائص المنهج التربوي، وتكلمت عن خصائص التربية، وركزت الحديث في هذه الخصائص التالية: قلت: إن أهم خصائص هذا المنهج التربوية هي: أولاً: خاصية التكامل والشمول.

ثانياً: التوازن والاعتدال.

ثالثاً: التميز والمفاصلة.

وتكلمت في محاضرة عن خاصية واحدة من هذه الخصائص، ألا وهي التكامل والشمول، وقلت: إن التكامل والشمول صفة فريدة من صفات المنهج التربوي الإسلامي؛ لأنه منهج رباني من عند الله لا من صنع البشر؛ إذ من المستحيل أن يصنع الإنسان لنفسه منهجاً تربوياً متكاملاً شاملاً؛ لأن الإنسان محدود من ناحية الزمان ومن ناحية المكان، ومحكوم بضعفه وجهله وشهواته ونزواته ورغباته.

ومن ثم إذا تحدى الإنسان المنهج الرباني، وانطلق مستكبراً ومستعلياً مغروراً ليضع لنفسه منهجاً تربوياً متكاملاً شاملاً -زعم- يأتي هذا المنهج الإنساني الأرضي المنحرف قاصراً، فإن قدم حلاً لجزء غفل عن حلول أخرى، وتراه يقدم الحلول لصنف من الناس ولا يقدم الحل لصنف آخر، وتراه صالحاً لمكان دون مكان، ولزمان دون زمان، وهذه هي الحقيقة، وهذا هو الحق والعدل؛ لأنه لا يملك أن يضع المنهج التربوي المتكامل الذي يصف الحياة كلها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إلا من خلق هذا الكون وهذا الإنسان، الذي قال: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤] .

قدم المنهج الإسلامي تكاملاً وشمولاً لجميع جزئيات الحياة في كل جوانب الحياة، قدم المنهج التربوي الإسلامي تصوراً ناصعاً لكل هذه الجزئيات؛ لأن الإسلام منهج حياة، فهو عقيدة وعبادة، ودين ودولة، وسيف وقلم، ودنيا وآخرة.

وقلت: إنه يجب على الأمة الآن أن تأخذ هذا المنهج التربوي بكماله وشموله، أما أن نأخذ ما اشتهينا وندع ما شئنا فهذه شنشنة قديمة خطيرة أنكرها الله على يهود، فقال تعالى:: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:٨٥] .

وأقول بملء فمي: والله لقد وقع كثير من أبناء الأمة الآن فيما وقع فيه أبناء يهود.

وذكرت مثالين: فقلت: إننا نقرأ بل بعد كل صلاة آية الكرسي في سورة البقرة لنتبرك بها، وفي نفس السورة نلتزم بقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:١٨٣] ، وفي نفس السورة نضيع قول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة:١٧٨] .

وقلت: إننا نلتزم بقول الله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:١٨٣] ، ونضيع في نفس السورة قول الله جل وعلا: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة:٢١٦] .

ونأخذ بقول الله في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ.

} [المائدة:٦] الآية، نأخذ بهذا الأمر الإلهي الكريم، ونضيع في نفس السورة قول الله جل وعلا: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:٤٤] و (الظالمون) و (الفاسقون) .

فيا أيها الأحبة! أقول: إن المنهج التربوي الإسلامي قدم هذا المنهج المتكامل الشامل، ووجب علينا نحن المسلمين أن نأخذ هذه المنهج بتكامله وشموله، فلا نأخذ ما نشاء وندع ما نشاء، وهذا فعل اليهود، أسأل الله أن لا نقع فيما وقع فيه يهود، وأن لا يجعل خاتمتنا كخاتمة يهود؛ إنه ولي ذلك ومولاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>