للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أهمية التربية على القصص القرآني والنبوي]

تكلمت في اللقاءات الماضية عن وسيلة التربية بالقصص القرآني والنبوي، وقلت: إن التربية بالقصص القرآني والنبوي مهمة جداً؛ لأن القصص القرآني والنبوي له أسلوبه الخاص في التربية، عن طريق إثارة الوجدان والمشاعر والترقب والتخوف والمراقبة للقصة من البداية إلى النهاية، والقصص القرآني والنبوي له وظيفة تربوية لا يمكن على الإطلاق أن يحل محلها أي لون من ألوان الأداء اللغوي الآخر أبداً، فالقصة القرآنية لها دور لا يقوم به المثل القرآني، والقصة النبوية لها دور لا تقوم به الموعظة، وكل له دوره.

القصة لها دور عظيم في التربية، والمربي الناجح هو الذي يستطيع كيف يوظف القصة القرآنية والنبوية التوظيف التربوي الذي ينفذ من خلاله إلى قلب طلابه وأبنائه؛ ليخرج بعد ذلك بالدروس والعظات والعبر، أما أن يسرد القصة كسرد قصة ألف ليلة وليلة دون أن يقف مع المواعظ والعظات والعبر، وإنما مجرد استمتاع حسي وعقلي وانتهى الموضوع؛ فليست هذه هي الوظيفة التربوية للقصة.

القصص القرآني والنبوي له أسلوب فريد، فأول القصة يشد الانتباه، ويحرك الوجدان خوف ترقب انفعال معين بالرضا أو بالسخط، فتعيش مع أحداث القصة وكأنك تراها، فما ظنك إن عشت بقلبك مع كلام الحق جل جلاله.

القصة القرآنية والنبوية تجسد الواقعية بكل ملامحها، أما كتاب القصة المعاصرون -مع الأسف- فنراهم قد اتجهوا اتجاهاً سيئاً؛ بحجة الكمال الفني للأداء، وبحجة الواقعية الكاملة لأشخاص القصة ومواقف القصة! فتراهم يعزفون على وتر الجنس والدعارة، والعنف والدم، وابتزاز غرائز القراء بأسلوب متدن هابط، ابتداءً من العنوان، وانتهاءً بالمضمون، وفي النهاية يقولون: بحجة الكمال الفني للأداء، وبحجة الواقعية الكاملة للقصة، مع أن القرآن قد ذكر القصة بكل واقعيتها ولم يتدن في جملة، بل ولا في لفظة، بل ولا في حرف، حتى في لحظات التعري الجسدي والنفسي لم ينزل القرآن في كلمة واحدة عن أسلوبه الطاهر النظيف؛ لأنه ابتداءً وانتهاء كلام الله خالق الإنسان.

وضربنا مثلاً بقصة يوسف، ففي لحظة التعري الجسدي تجد قمة السمو، قمة الجلاء، قمة الروعة، تقف مع هذه المواقف ومع الشخصيات وكأنها تتحرك أمام عينيك وبين يديك، ومع ذلك لم تتحرك الغرائز الهاجعة، ولم تتحرك الشهوات الكامنة، أسلوب طاهر نظيف نقي، في كل لحظة من لحظات القصة، وفي كل موقف من مواقفها، بل ومع كل شخصية، بل ومع كل كلمة.

واكتفيت بقصة يوسف في القرآن، وسأضرب لكم مثالين بقصتين نبويتين، وندلل على دور القصص النبوي، وكيف يقف المربي الناصح الفاهم ليأخذ الدروس التربوية من القصة النبوية، فيعلم أبناءه وأتباعه وتلاميذه.

<<  <  ج: ص:  >  >>