فيها. فهي جميع الحالات، الشارع لا يقصد المشقة، بل يقصد "ما في ذلك من المصالح العائدة للمكلف".
ويترتب على هذا أصل آخر:
وهو أن المشقة ليس للمكلف أن يقصدها في التكليف نظرا إلى عظم أجرها، وله أن يقصد العمل الذي يعظم أجره لعظم مشقته من حيث هو عمل".
ولهذا كان قصد المشقة قصدا باطلًا، ومضادًا لما قصد الشارع من التخفيف المعلوم المقطوع به.
وكلما كانت المشقة عير عادية وفادحة، كان القصد إليها أبلغ في البطلان ومضادة قصد الشارع "لأن الله لم يضع تعذيب النفوس سببًا للتقرب إليه، ولا لنيل ما عنده" وهذا طبعًا فيما إذا كان المكلف هو الذي سعى إلى المشقة وقصد الدخول فيها، أما إذا كانت من لوازم العمل فيصح الدخول فيها، وحكمها حكم ذلك العمل، كما في مشقة الجهاد مثلًا.
وحيث إن السياق اقتضى كثيرة الحديث عن قصد الشرعية إلى رفع الحرج والمشقة -إلا فيما لا بد منها فيه - فإن الشاطبي تطرق في أحد الفصول الملحقة بالمسألة السابعة إلى علة هذا الحرص الشرعي على رفع الحرج، وقد أجاد وأفاد، وعلة ذلك تتلخص في أمرين:
"أحدهما: الخوف من الانقطاع من الطريق، وبغض العبادة، وكراهة التكليف، وينتظم تحت هذا المعنى، الخوف من إدخال الفساد عليه في جسمه أو عقله أو ماله أو حاله.
والثاني: خوف التقصير عند مزاحمة الوظائف المتعلقة بالعبد، المختلفة الأنواع، مثل قيامه على أهله وولده، إلى تكاليف آخر تأتي في الطريق. فربما كان التوغل في بعض الأعمال شاغلًا عنها، وقاطعًا بالمكلف دونها، وربما أراد الحمل للطرفين على المبالغة في الاستقصاء، فانقطع عنهما".