بالمشقة اللازمة في الحد. ولا تقاس هذه المشاق الثلاث بمشقة الجهاد.
فمشقة الصلاة والصوم، قد لا يعد مثلها في الحج مشقة. ومشاق الحج قد لا تعتبر شيئًا في الجهاد.
فقياس المشاق أمر نسبي، ينظر فيه غلى طبيعة العمل، وضرورته ومصلحته، وإلى حال المكلف، وبناء على هذا كله يكون الترخيص أو لا يكون.
وختامًا لمباحث المشقة والتيسير، أتى بالمسألة الثانية عشرة، وهي إحدى نوادره، ومظهر من مظاهر عبقريته، وسمو فقهه للشريعة. ومضمونها: أن التشريع في الإسلام، ينزل -في الأصل- "على الطريق الوسط الأعدل، الآخذ بين الطرفين١ بقسط لا ميل فيه" وعلى هذا جاءت معظم التكاليف، كتكاليف الصلاة، والصيام، والزكاة, وكتحريم معظم المحرمات، فقد جاء كل هذا في اعتدال يناسب عامة المكلفين.
ولكن إذا جاء التشريع لمواجهة ومعالجة انحراف في المكلفين فإنه يتسم بميل مضاد لانحراف المكلفين.
فإذا كان انحرافهم قد وقع في اتجاه الانحلال والتفسخ واتباع الأهواء والشهوات. فإن التشريع يأتي مائلًا إلى جهة الزجر والتشديد لإرجاع الناس إلى الاعتدال.
وإذا كان الانحراف إلى جهة الإفراط والغلو في الدين، والمبالغة في الزهد وتطلب الشداد. فإن التشريع يأتي مائلا إلى جهة التيسير والتخفيف والترخيص، والترغيب في متع الحياة ونعمها.
وقد صاغ -رحمه الله- هذه القضية في عبارات محكمة ناصعة فقال: "فإذا نظرت في كلية الشريعة، فتأملها تجدها حاملة على التوسط، فإن رأيت ميلا إلى جهة طرف من الأطراف، فذلك في مقابلة واقع أو متوقع في الطرف الآخر.