للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويتضح الفرق جليا بين النوعين من النظر في مباحث كل منهما. ولكن العبارات التي افتتح بها الكلام في كل من النوعين كافية أيضًا في التفريق بينهما أما عبارة الافتتاح للنوع الأول فقد تقدمت في مكانها. وأما تتمة افتتاحه لهذا النوع، فهي: "المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه، حتى يكون عبدا لله اختيارا، كما هو عبد لله اضطرارًا" ثم قال بعد سرده لعدد من النصوص الدالة على ذم الهوى، وأهل الأهواء: "فهذا كله واضح في أن قصد الشارع الخروج عن اتباع الهوى، والدخول تحت التعبد للمولى".

وهو -كعادته في تقريبر المقاصد- يحشر من الأدلة النقلية والعقلية، ويرد من الاعتراضات الواردة أو المفترضة، ما يجعل تقريره قطعيًا لا غبار عليه. وكذلك فعل في إثبات قصد الشارع إلى إخراج المكلفين عن هيمنة أهوائهم، وإدخالهم تحت هيمنة الشريعة وأحكامها. وهذا لا ينافي ما تقرر في النوع الأول من كون الشارع قاصدا إلى حفظ مصالح المكلفين. لأن مصالحهم -وإن كانت تنال إلى حد ما مع اتباع الأهواء- فإنها لا تنال على أكمل وجه، إلا من خلال أحكام الشرع، وهذا لا يتحقق إلا بالتحرر من الأهواء والنزوات، وطلب المصالح الحقيقية وفق ما قرر الشارع.

ثم قال: "فإذا تقرر هذا انبنى عليه قواعد:

منها: أن كل عمل كان المتبع فيه الهوى بإطلاق، من غير التفات إلى الأمر أو النهي أو التخيير، فهو باطل بإطلاق، لأنه لا بد للعمل من حامل يحمل عليه، وداع يدعو إليه، فإذا لم يكن لتلبية الشارع في ذلك مدخل، فليس إلا مقتضى الهوى والشهوة، وما كان كذلك فهو باطل بإطلاق. وكل فعل كان المتبع فيه بإطلاق: الأمر أو النهي أو التخيير، فهو صحيح وحق.

وأما إن امتزج فيه الأمران، فكان معمولًا بهما، فالحكم للغالب والسابق".

ومنها: أن اتباع الهوى طريق إلى المذموم، وإن جاء في ضمن المحمود ذلك أن الاسترسال في إرضاء هوى النفس، ولو كان في فعل

<<  <   >  >>