٢- ولأن المقاصد الأصلية إذا روعيت أقرب إلى إخلاص العمل وصيرورته عبادة، وأبعد عن مشاركة الحظوظ التي تغبر في وجه محض العبودية.
٣- ولأن البناء على المقاصد الأصلية يصير تصرفات المكلف كلها عبادات، كانت من قبيل العبادات أو العادات.
٤- ولأن المقصد الأول "أي المقصد الأصلي" إذا تحراه المكلف يتضمن تحقيق المقاصد التبعية، بشكل تلقائي. لأنه أعم وأهم.
٥- ولأن العمل على المقاصد الأصلية يصير الطاعة أعظم، وإذا خولفت كانت معصيتها أعظم ومن هنا تظهر قاعدة أخرى، وهي: أن أصول الطاعات وجوامعها إذا تتبعت وجدت راجعة إلى اعتبار المقاصد الأصلية، وكبائر الذنوب إذا اعتبرت وجدت في مخالفتها١.
٦- كما أن البناء على المقاصد الأصلية ينقل الأعمال في الغالب إلى أحكام الوجوب، من حيث كانت حفظًا للأمور الضرورية في الدين. والعمل في إطار الواجبات خير من العمل في غيرها.
ورغم هذه الوجوه -المهمة جدا- التي ترجح العمل بمقتضى المقاصد الأصلية، فإن هذا لا ينفي مشروعية العمل بدافع من المقاصد التبعية وما فيها من قصد لنيل الحظوظ والتمتع بها، ولكن بشرط أن يكون العمل لأجل المقاصد التبعية مصحوبًا -ولو بالدرجة الثانية- بقصد تحقيق المقاصد الأصلية، وأما إذا كان العمل -فقط- لأجل نيل الشهوات وتلبية النزوات، فهو عمل بمجرد الحظ والهوى. فلا قيمة له ولا ثواب فيه عند الله.
ومن هنا أنجر الشاطبي -في المسألة السادسة- إلى استطراد طويل، في غاية العمق والدقة، عالج في مسائل الإخلاص والتشريك في الأعمال، عبادات وعادات. وهو من المباحث النفيسة التي أبان فيها -رحمه الله- عن نظر فلسفي قوي، وعن نفس طويل في الحوار العلمي الرفيع، وخصوصًا عندما تعرض
١ أي أن العمل إذا وقع لأجل المقاصد الأصلية، يدخل في أركان الدين وكبريات الطاعات.